للتعدية، وقيل: أتبعه أخص من تبعه لما قال الجوهري تبعت القوم تبعا وتباعة بالفتح إذا مشيت خلفهم أو مروا بك فمضيت معهم وأتبعت القوم على أفعلت إذا كانوا قد سبقوك فلحقتهم واستحسن الفرق بينهما الشهاب، ولما كان الاتباع محتملا للإهلاك وغيره اختلف العلماء في ذلك فحكى القرطبي عن ابن عباس أن الشهاب يجرح ويحرق ولا يقتل، وعن الحسن وطائفة أنه يقتل، وادعى أن الأول أصح، ونقل غير واحد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: إن الشياطين يركب بعضهم بعضا إلى السماء الدنيا يسترقون السمع من الملائكة عليهم السلام فيرمون بالكواكب فلا تخطئ أبدا فمنهم من تقتله ومنهم من تحرق وجهه أو جنبه أو يده أو حيث يشاء الله تعالى ومنهم من تخبله فيصير غولا فيضل الناس في البراري، ومما لا يعول عليه ما يروى من أن منهم من يقع في البحر فيكون تمساحا ومن الناس من طعن كما قال الإمام في أمر هذا الاستراق والرمي من وجوه. أحدها أن انقضاض الكواكب مذكور في كتب قدماء الفلاسفة وذكروا فيه أن الأرض إذا سخنت بالشمس ارتفع منها بخار يابس فإذا بلغ كرة النار التي دون الفلك احترق بها فتلك الشعلة هي الشهاب. وقد يبقى زمانا مشتعلا إذا كان كثيفا وربما حميت الأدخنة في برد الهواء للتعاقب فانضغطت مشتعلة، وجاء أيضا في شعر الجاهلية قال بشر بن أبي حازم:
إلى غير ذلك. وثانيها أن هؤلاء الشياطين كيف يجوز فيهم أن يشاهدوا ألوفا من جنسهم يسترقون السمع فيحترقون ثم إنهم مع ذلك يعودون لصنيعهم فإن من له أدنى عقل إذا رأى هلاك أبناء جنسه من تعاطي شيء مرارا امتنع منه. وثالثها أن يقال: إن ثخن السماء خمسمائة عام فهؤلاء الشياطين إن نفذوا في جرمها وخرقوها فهو باطل لنفي أن يكون لها فطور على ما قال سبحانه: فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ [الملك: ٣] وإن كانوا لا ينفذون فكيف يمكنهم سماع أسرار الملائكة عليهم السلام مع هذا البعد العظيم. ورابعها أن الملائكة عليهم السلام إنما اطلعوا على الأحوال المستقبلة إما لأنهم طالعوها من اللوح المحفوظ أو لأنهم تلقفوها بالوحي، وعلى التقديرين لم لم يسكتوا عن ذكرها حتى لا تتمكن الشياطين من الوقوف عليها؟. وخامسها أن الشياطين مخلوقون من النار والنار لا تحرق النار بل تقويها فكيف يعقل زجرهم بهذه الشهب؟. وسادسها أنكم قلتم: إن هذا القذف لأجل النبوة فلما دام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم؟. وسابعها أن هذه الشهب إنما تحدث بقرب الأرض بدليل أنا نشاهد حركاتها ولو كانت قريبة من الفلك لما شاهدناها كما لم نشاهد حركات الأفلاك والكواكب، وإذا ثبت أنها تحدث بالقرب من الأرض فكيف يقال: إنها تمنع الشياطين من الوصول إلى الفلك؟. وثامنها أن هؤلاء الشياطين لو كان يمكنهم أن ينقلوا أخبار الملائكة عليهم السلام عن المغيبات إلى الكهنة فلم لم ينقلوا أسرار المؤمنين إلى الكفار حتى يتوصلوا بواسطة وقوفهم على أسرارهم إلى إلحاق الضرر بهم؟. وتاسعها لم لم يمنعهم الله تعالى من الصعود ابتداء حتى لا يحتاج في دفعهم إلى هذه الشهب؟
وقال بعضهم: أيضا: إن السماع إنما يفيدهم إذا عرفوا لغة الملائكة فلم لم يجعلهم الله سبحانه جاهلين بلغتهم لئلا يفيدهم السماع شيئا، وأيضا ان انقطع الهواء دون مقعر فلك القمر لم يحدث هناك صوت إذ هو من تموج الهواء والمفروض عدمه وإن لم ينقطع كان دون ذلك أصوات هائلة من تموج الهواء بحركة الأجرام العظيمة وهي تمنع من سماع أصوات الملائكة عليهم السلام في محاوراتهم ولا يكاد يظن أن أصواتهم في المحاورات تغلب هاتيك الأصوات لتسمع معها، وأيضا ليس في السماء الدنيا إلا القمر ولا نراه يرمي به وسائر السيارات فوق كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [الأنبياء: ٣٣] والثوابت في الفلك الثامن والرمي بشيء من ذلك يستدعي خرق السماء وتشققها ليصل