وذلك السبب في النفوس الهيولانية تعلقها بالأبدان، وأما التي قبل الأبدان فلو تميزت لكان المميز سوى الشعور حتى يترتب هو عليه، وقد بين أنه ليس هناك مميز فلا جرم استحال حصول التميز وظهر الفرق والله تعالى الموفق.
وقد استدل صاحب المعتبر على حدوثها بأنها لو كانت موجودة قبل الأبدان لكانت إما متعلقة بأبدان أخر أو لا والأول باطل لأنه قول بالتناسخ وهو باطل لأن أنفسنا لو كانت من قبل في بدن آخر لكنا نعلم الآن شيئا من الأحوال الماضية ونتذكر ذلك البدن وليس فليس، والثاني كذلك لأنها تكون حينئذ معطلة ولا معطل في الطبيعة وهو دليل بجميع مقدماته ضعيف جدا فلا تعتبره، وزعم قوم من قدماء الفلاسفة قدمها وأوردوا لذلك أمورا.
الأول: أن كل ما يحدث فلا بد أن يكون له مادة تكون سببا لأن يصير أولى بالوجود بعد أن كان أولى بالعدم فلو كانت النفوس حادثة لكانت مادية وليس فليس. الثاني أنها لو كانت حادثة لكان حدوثها لحدوث الأبدان لكن الأبدان الماضية غير متناهية فالنفوس الآن غير متناهية لكن ذلك محال لكونها قابلة للزيادة والنقصان والقابل لهما متناه فهي الآن متناهية، فإذن ليس حدوث الأبدان علة لحدوثها فلا يتوقف صدورها عن عللها على حدوث أمر فتكون قديمة.
الثالث: أنها لو لم تكن أزلية لم تكن أبدية لما ثبت أن كل كائن فاسد لكنها أبدية إجماعا فهي أزلية، ويرد عليهم أنه إن أريد بكونها مادية أن حدوثها يكون متوقفا على حدوث البدن فالأمر كذلك، وإن أريد به أنها تكون منطبعة في البدن فلم قلتم: إنه لو توقف حدوثها على حدوث البدن وجب أن تكون منطبعة فيه، وأيضا للمانع أن يمنع فساد لزوم كون النفوس الآن غير متناهية، والمقدمة القائلة إن كل قابل للزيادة والنقصان متناه ليست من الأوليات قطعا كما هو ظاهر فإذن لا تصح إلا ببرهان وهو لا يتقرر إلا فيما يحتمل الانطباق على ما بين في محله، وقولهم: لو لم تكن أزلية لم تكن أبدية قضية لا حجة لهم على تصحيحها فلا تقبل، ثم إن كون النفوس متحدة بالنوع مما قد صرح به جماعة من المتكلمين كالغزالي وغيره، وإليه ذهب الشيخ من الفلاسفة إلا أنه لم يأت لذلك بشبهة فضلا عن حجة واستدل غيره بأمور:
الأول: أن النفوس مشتركة في أنها نفوس بشرية فلو انفصل بعضها عن بعض بمقوم ذاتي مع هذا الاشتراك لزم التركيب فكانت جسمانية.
الثاني: أنا نرى الناس مشتركين في صحة العلم بالمعلومات، وفي صحة التخلق بالأخلاق فالنفوس متساوية في صحة اتصافها بالأفعال الإدراكية والتحريكية، وذلك يوجب أن تكون متساوية مطلقا لأنا لا نعقل من صفاتها إلا كونها مدركة ومتحركة بالإرادة وهي متساوية فيهما فهي إذن متساوية في جميع صفاتها المعقولة فلو اختلفت بعد ذلك لكان اختلافها في صفات غير معقولة، ولو فتحنا هذا الباب لزم تعذر الحكم بتماثل شيئين لجواز اختلافهما في غير معقول عندنا وذلك يؤدي إلى القدح في تماثل المتماثلات.
الثالث: أنه بين في محله أن كل ماهية مجردة لا بد وأن تكون عاقلة لحقيقة ذاتها لكن نفس زيد مثلا مجردة فهي عاقلة لذلك ثم إنها لا تعقل إلا ماهية قوية على الإدراك والتحريك فإذن ماهيته هذا القدر وهو مشترك بينه وبين سائر النفوس بالأدلة التي ذكروها في بيان أن الوجود مشترك فيكون حينئذ تمام ماهيته مقولا على سائر النفوس، ويمتنع أن يكون هذا المشترك فصل مقوم في غيره إذ هو غير محتاج إليه في زيد إلى فصل يميزه عن غيره (١) فلا يحتاج في
(١) قوله فصل مقوم في غيره إذ هو غير محتاج إليه في زيد إلى فصل يميزه عن غيره هكذا بخطه اه.