وانزع روحه المنتن بسبعين ألف كلاب من كلاليبها وناد مالكا ليفتح أبواب النيران فينزل الملك بصورة لو نظر إليها أهل السموات والأرضين لماتوا بغتة من هولها فينتهي إلى إبليس فيقول: قف لي يا خبيث لأذيقنك الموت كم من عمر أدركت وقرن أضللت وهذا هو الوقت المعلوم قال: فيهرب اللعين إلى المشرق فإذا هو بملك الموت بين عينيه فيهرب إلى المغرب فإذا هو به بين عينيه فيغوص البحار فيثير منها البخار فلا تقبله فلا يزال يهرب في الأرض ولا محيص له ولا ملاذ ثم يقوم في وسط الدنيا عند قبر آدم عليه السلام ويتمرغ في التراب من المشرق إلى المغرب ومن المغرب إلى المشرق حتى إذا كان في الموضع الذي أهبط فيه آدم عليه السلام وقد نصبت له الزبانية الكلاليب وصارت الأرض كالجمرة احتوشته الزبانية وطعنوه بالكلاليب فيبقى في النزع والعذاب إلى حيث يشاء الله تعالى، ويقال: آدم وحواء عليهما السلام اطلعا اليوم على عدوكما يذوق الموت فيطلعان فينظران إلى ما هو فيه من شدة العذاب فيقولان ربنا أتممت علينا نعمتك، وجاء في بعض الأخبار أنه حين لا يجد مفرا يأتي قبر آدم عليه السلام فيحثو التراب على رأسه وينادي يا آدم أنت أصل بليتي فيقال له: يا إبليس اسجد الآن لآدم عليه السلام فيرتفع عنك ما ترى فيقول: كلا لم أسجد له حيا فكيف أسجد له ميتا، وهذا إن صح يدل على أن اللعين من العناد بمكان لا تصل إلى غايته الأذهان.
قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي أي بسبب إغوائك إياي لَأُزَيِّنَنَّ أي أقسم لأزينن لَهُمْ أي لذريته وهو مفهوم من السياق وإن لم يجر له ذكر، وقد جاء مصرحا به في قوله تعالى حكاية عن اللعين أيضا: لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ [الإسراء:
٦٢] ومفعول لَأُزَيِّنَنَّ محذوف أي المعاصي فِي الْأَرْضِ أي هذا الجرم المدحو وكأن اللعين أشار بذلك إلى أني أقدر على الاحتيال لآدم والتزيين له الأكل من الشجرة في السماء فأنا على التزيين لذريته في الأرض أقدر، ويجوز أنه أراد بالأرض الدنيا لأنها محل متاعها ودارها، وذكر أن هذا المعنى عرفي للأرض وأنها إنما ذكرت بهذا اللفظ تحقيرا لها، ولعل التقييد على ما قيل للإشارة إلى أن للتزيين محلّا يقوي قبوله أي لأزينن لهم المعاصي في الدنيا التي هي دار الغرور، وجوز أن يكون يراد بها هذا المعنى وينزل الفعل منزلة اللازم ثم يعدى بفي، وفي ذلك دلالة على أنها مستقر التزيين وأنه تمكن المظروف في ظرفه، ونحوه قول ذي الرمة:
فإن تعتذر بالمحل من ذي ضروعها ... إلى الضيف يجرح في عراقيبها نصلي
والمعنى لأحسنن الدنيا وأزيننها لهم حتى يشتغلوا بها عن الآخرة، وجوز جعل الباء للقسم و «ما» مصدرية أيضا أي أقسم بإغوائك إياي لأزينن، وإقسامه بعزة الله تعالى المفسرة بسلطانه وقهره لا ينافي إقسامه بهذا فإنه فرع من فروعها وأثر من آثارها فلعله أقسم بهما جميعا فحكى تارة قسمه بهذا وأخرى بذاك، وزعم بعضهم أن السببية أولى لأنه وقع في مكان آخر فَبِعِزَّتِكَ [ص: ٨٢] والقصة واحدة والحمل على محاورتين لا موجب له ولأن القسم بالإغواء غير متعارف انتهى، وفيه نظر ظاهر فإن قوله: فَبِعِزَّتِكَ يحتمل القسمية أيضا، وقد صرح الطيبي بأن مذهب الشافعية أن القسم بالعزة والجلال يمين شرعا فالآية على الزاعم لا له. نعم إن دعواه عدم تعارف القسم بالإغواء مسلمة وهو عندي يكفي لأولوية السببية ولعدم التعارف مع عدم الإشعار بالتعظيم لا يعد القسم بها يمينا شرعا فإن القائلين بانعقاد القسم بصفة له تعالى يشترطون أن تشعر بتعظيم ويتعارف مثلها، وفي نسبة الإغواء إليه تعالى بلا إنكار منه سبحانه قول بأن الشر كالخير من الله عزّ وجلّ، وأول المعتزلة ذلك وقالوا: المراد النسبة إلى الغي كفسقته نسبته إلى الفسق لا فعلته أو أن المراد فعل به فعلا حسنا أفضى به لخبثه إلى الغي حيث أمره سبحانه بالسجود فأبى واستكبر أو أضله عن طريق الجنة وترك هدايته واللطف به واعتذروا عن إنظار الله تعالى إياه مع أنه مفض إلى الإغواء القبيح بأنه تعالى قد علم منه