ولم يكن عليه السلام ليقرب إليهم الطعام، وأيضا قوله تعالى: فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً [هود: ٧٠] ظاهر فيما تقدم ولعل هذا التصريح كان بعد الإيجاس.
وقيل: يحتمل أن يكون القول هنا مجازا بأن يكون قد ظهرت عليه عليه الصلاة والسلام مخايل الخوف حتى صار كالقائل المصرح به، وإنما لم يذكر هنا تقريب الطعام اكتفاء بذكره في غير هذا الموضع كما لم يذكر رده عليه السلام السلام عليهم لذلك، وقد تقدم ما ينفعك هنا مفصلا في هود فتذكره. قالُوا لا تَوْجَلْ لا تخف وقرأ الحسن «لا توجل» بضم التاء مبنيا للمفعول من الإيجال، وقرئ «لا تواجل» من واجله بمعنى أوجله و «لا تأجل» بإبدال الواو ألفا كما قالوا تابة في توبة. إِنَّا نُبَشِّرُكَ استئناف في معنى التعليل للنهي عن الوجل فإن المبشر لا يكاد يحوم حول ساحته خوف ولا حزن كيف لا وهي بشارة ببقائه وبقاء أهله في عافية وسلامة زمانا طويلا.
بِغُلامٍ هو إسحاق عليه السلام لأنه قد صرح به في موضع آخر، وقد جعل سبحانه البشارة هنا لإبراهيم وفي آية أخرى لامرأته ولكل وجهة، ولعلها هنا كونها أوفق بإنباء العرب عما وقع لجدهم الأعلى عليه السلام، ولعله سبحانه لم يتعرض ببشارة يعقوب اكتفاء بما ذكر في سورة هود، والتنوين للتعظيم أي بغلام عظيم القدر عَلِيمٍ ذي علم كثير، قيل: أريد بذلك الإشارة إلى أنه يكون نبيا فهو على حد قوله تعالى: وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا [الصافات:
١١٢] قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي بذلك عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ وأثر في والاستفهام للتعجب، وعَلى بمعنى مع مثلها في قوله تعالى: وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ [البقرة: ١٧٧] على أحد القولين في الضمير، والجار والمجرور في موضع الحال فيكون قد تعجب عليه السلام من بشارتهم إياه مع هذه الحال المنافية لذلك، ويجوز أن يكون الاستفهام للإنكار وعَلى على ما سمعت بمعنى أنه لا ينبغي أن تكون البشارة مع الحال المذكورة. وزعم بعض المنتمين إلى أهل العلم أن الأول جعل عَلى بمعنى في مثلها في قوله تعالى: وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ [القصص:
١٥] وقوله سبحانه: وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ [البقرة: ١٠٢] لوجهين الاستغناء عن التقدير وكون المصاحبة لصدقها بأول المس لا تنافي البشارة، وهو لعمري ضرب من الهذيان كما لا يخفى على إنسان ثم إنه عليه السلام زاد في ذلك فقال: فَبِمَ تُبَشِّرُونَ أي فبأي أعجوبة تبشرون أو بأي شيء تبشرون فإن البشارة بما لا يقع عادة بشارة بغير شيء، وجوز أن تكون الباء للملابسة والاستفهام سؤال عن الوجه والطريقه أي تبشرون ملتبسين بأي طريقة ولا طريق لذلك في العادة.
وقرأ الأعرج «بشرتمون» بغير همزة الاستفهام، وابن محيصن «الكبر» بضم الكاف وسكون الباء. وقرأ ابن كثير بكسر النون مشددة بدون ياء على إدغام نون الجمع في نون الوقاية والاكتفاء بالكسرة عن الياء. وقرأ نافع بكسر النون مخففة، واعترض على ذلك أبو حاتم بأن مثله لا يكون إلا في الشعر وهو مما لا يلتفت إليه، وخرج على حذف نون الرفع كما هو مذهب سيبويه استثقالا لاجتماع المثلين ودلالة بإبقاء نون الوقاية على الياء. وقيل: حذفت نون الوقاية وكسرت نون الرفع وحذفت الياء اجتزاء بالكسرة وحذفها كذلك كثير فصيح وقد قرئ به في مواضع عديدة، ورجح الأول بقلة المئونة واحتمال عدم حذف نون في هذه القراءة بأن يكون اكتفى بكسر نون الرفع من أول الأمر خلاف المنقول في كتب النحو والتصريف وإن ذهب إليه بعضهم.
وقرأ الحسن كابن كثير إلا أنه أثبت الياء وباقي السبعة يقرؤون بفتح النون وهو نون الرفع.
قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ أي بالأمر المحقق لا محالة أو باليقين الذي لا لبس فيه أو بطريقة هي حق، وهو أمر من له الأمر القادر على خلق الولد من غير أبوين فكيف بإيجاده من شيخ وعجوز فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ أي الآيين