للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الإرشاد أن الفاء لترتيب عدم الإغناء الخاص بوقت نزول العذاب حسبما كانوا يرجونه لا عدم الإغناء المطلق فإنه أمر مستمر، وفي الآية من التهم بهم ما لا يخفى.

وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ أي إلا خلقا متلبسا بالحق والحكمة بحيث لا يلائم استمرار الفساد واستقرار الشرور، وقد اقتضت الحكمة إهلاك أمثال هؤلاء دفعا لفسادهم وإرشادا لمن بقي إلى الصلاح وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ ولا بد فننتقم أيضا من أمثال هؤلاء، فالجملة الأولى إشارة إلى عذابهم الدنيوي والثانية إلى عقابهم الأخروي، وفي كلتا الجملتين من تسليته صلى الله عليه وسلم ما لا يخفى مع تضمن الأولى الإشارة إلى وجه إهلاك أولئك بأنه أمر اقتضته الحكمة، وفي التفسير الكبير في وجه النظم أنه تعالى لما ذكر إهلاك الكفار فكأنه قيل: كيف يليق ذلك بالرحيم؟ فأجاب سبحانه بأنه إنما خلقت الخلق ليكونوا مشتغلين بالعبادة والطاعة فإذا تركوها وأعرضوا عنها وجب في الحكمة إهلاكهم وتطهير الأرض.

وتعقبه المفسر بأنه إنما يستقيم على قول المعتزلة، ثم ذكر وجها آخر لذلك وهو أن المقصود من هذه القصة تصبير النبي صلى الله عليه وسلم على سفاهة قومه فإنه عليه الصلاة والسلام إذا سمع أن الأمم السالفة كانوا يعاملون أنبياءهم عليهم السلام بمثل هذه المعاملات الفاسدة هان عليه عليه الصلاة والسلام تحمل سفاهة قومه، ثم إنه تعالى لما بين إنزال العذاب على الأمم السالفة المكذبة قال له صلى الله عليه وسلم إن الساعة لآتية وإن الله تعالى ينتقم لك فيها من أعدائك ويجاريك وإياهم على حسناتك وسيئاتهم فإنه سبحانه ما خلق السموات والأرض وما بينهما إلا بالعدل والإنصاف فكيف يليق بحكمته إهمال أمرك، وإلى جواز تفسير الحق بالعدل ذهب شيخ الإسلام وأشار إلى أن الباء للسببية وإن المعنى ما خلقنا ذلك إلا بسبب العدل والإنصاف يوم الجزاء على الأعمال، وذكر أنه ينبئ عن ذلك الجملة الثانية ولعل جعل كل جملة إشارة إلى شيء حسبما أشرنا إليه أولى.

واستدل بالأولى بعض الأشاعرة على أن أفعال العباد مطلقا مخلوقة له تعالى لدخولها فيما بينهما، وزعم بعض المعتزلة الرد بها على القائلين بذلك لأن المعاصي من الأفعال باطلة فإذا كانت مخلوقة له سبحانه لكانت مخلوقة بالحق والباطل لا يكون مخلوقا بالحق، وهو كلام خال عن التحقيق فَاصْفَحِ أي أعرض عن الكفرة المكذبين الصَّفْحَ الْجَمِيلَ وهو ما خلا عن عتاب على ما روى غير واحد عن علي كرم الله تعالى وجهه وابن عباس رضي الله تعالى عنهما وفسر الراغب الصَّفْحَ نفسه بترك التثريب وذكر أنه أبلغ من العفو وفي أمره صلى الله عليه وسلم بذلك إشارة إلى أنه عليه الصلاة والسلام قادر على الانتقام منهم فكأنه قيل: أعرض عنهم وتحمل أذيتهم ولا تعجل بالانتقام منهم وعاملهم معاملة الصفوح الحليم، وحاصل ذلك أمره صلى الله عليه وسلم بمخالفتهم بخلق رضي وحلم وتأن بأن ينذرهم ويدعوهم إلى الله تعالى قبل القتال ثم يقاتلهم، وعلى هذا فالآية غير منسوخة، وعن ابن عباس وقتادة ومجاهد والضحاك أنها منسوخة بآية السيف، وكأنهم ذهبوا إلى أن المراد بها مداراتهم وترك قتالهم، وآثر هذا الأخير العلامة الطيبي قال: ليكون خاتمة القصص جامعة للتسلي والأمر بالمداراة وتخلصا إلى مشرع آخر وهو قوله تعالى الآتي: وَلَقَدْ إلى آخره ففيه حديث الإعراض عن زهرة الحياة الدنيا وهو من أعظم أنواع الضر لكن ذكر في الكشف أن الذي يقتضيه النظم أن قوله تعالى: وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ إلى آخره جمع بين حاشيتي مفصل الآيات البرهانية والامتنانية ملخص منها مع زيادة مبالغة من الحصر ليقيه المحتج به إلى المعاندين ويتسلى به عن استهزاء الجاحدين وتمهيد لتطرية ذكر المقصود من كون الذكر كاملا في شأن الهداية وافيا بكل ما علق به من الغرض القائم له بحق الرعاية، ثم قال: ومنه يظهر أن الآية عطف على وَما خَلَقْنَا إلخ عطف الخاص على العام إشارة إلى أن أتم النعم وأحق دليل وأحق ما يتشفى به عن

<<  <  ج: ص:  >  >>