أي لا تلتفت إلى ما يقولون ولا تبال بهم فليست الآية منسوخة، وقيل: هي من آيات المهادنة التي نسختها آية السيف، وأخرج ذلك ابن أبي حاتم وأبو داود في ناسخه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ بك أو بك وبالقرآن كما روي عن ابن عباس بقمعهم وتدميرهم.
أخرج الطبراني في الأوسط، والبيهقي وأبو نعيم كلاهما في الدلائل، وابن مردويه بسند حسن قال: المستهزءون الوليد بن المغيرة والأسود بن عبد يغوث والأسود بن المطلب والحارث بن عطيل السهمي والعاص بن وائل فأتاه جبريل عليه السلام فشكاهم إليه فأراه الوليد فأومأ جبريل عليه السلام ألى أكحله فقال صلى الله عليه وسلم: ما صنعت شيئا قال: كفيتكه، ثم أراه الأسود ابن المطلب فأوما إلى عينيه فقال: ما صنعت شيئا قال: كفيتكه. ثم أراه الأسود بن عبد يغوث فأومأ إلى رأسه فقال: ما صنعت شيئا قال: كفيتكه ثم أراه الحارث فأومأ إلى بطنه فقال: ما صنعت شيئا قال: كفيتكه، ثم أراه العاص بن وائل فأومأ إلى أخمصه فقال: ما صنعت شيئا قال: كفيتكه. فأما الوليد فمر برجل من خزاعة وهو يريش نبلا فأصاب أكحله فقطعها، وأما الأسود بن المطلب فنزل تحت سمرة فجعل يقول: يا بني ألا تدفعون عني قد هلكت أطعن بالشوك في عيني فجعلوا يقولون: ما نرى شيئا فلم يزل كذلك حتى عميت عيناه، وأما الأسود بن عبد يغوث فخرج في رأسه قروح فمات منها وأما الحارث فأخذه الماء الأصفر في بطنه حتى خرج رجيعه من فيه فمات منه، وأما العاص فركب إلى الطائف فربض على شبرقة فدخل في أخمص قدمه شوكة فقتلته،
وقال الكرماني في شرح البخاري: إن المستهزئين هم السبعة الذين ألقوا الأذى ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي كما جاء في حديث البخاري وهم: عمرو بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط، وعمارة بن الوليد، وفي الأعلام للسهيلي أنهم قذفوا بقليب بدر وعدهم بخلاف ما ذكر. وفي الدر المنثور وغيره روايات كثيرة مختلفة في عدتهم (١) وأسمائهم وكيفية هلاكهم وعد الشعبي منهم هبار بن الأسود. وتعقبه في البحر بأن هبارا أسلم يوم الفتح ورحل إلى المدينة فعده وهم، وهذا متعين إذا كانت كفايته عليه السلام إياهم بالإهلاك كما هو الظاهر، وقد ذكر الإمام نحو ما ذكرنا من اختلاف الروايات ثم قال: ولا حاجة إلى شيء من ذلك، والقدر المعلوم أنهم كانوا طائفة لهم قوة وشوكة لأن أمثالهم هم الذين يقدرون على مثل هذه السفاهة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في علو قدره وعظم منصبه، ودل القرآن على أن الله سبحانه أفناهم وأبادهم وأزال كيدهم.
الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ أي اتخذوا إلها يعبدونه معه تعالى، وصيغة الاستقبال لاستحضار الحال الماضية، وفي وصفهم بذلك تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتهوين للخطب عليه عليه الصلاة والسلام بالإشارة إلى أنهم لم يقتصروا على الاستهزاء به صلى الله عليه وسلم بل اجترءوا على العظيمة التي هي الإشراك به سبحانه فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ما يأتون ويذرون وفيه من الوعيد ما لا يخفى.
وفي البحر أنه وعيد لهم بالمجازاة على استهزائهم وشركهم في الآخرة كما جوزوا في الدنيا وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ من كلمات الشرك والاستهزاء، وتحلية الجملة بالتأكيد لإفادة تحقق ما تتضمنه من التسلية. وصيغة المضارع لإفادة استمرار العلم حسب استمرار متعلقه باستمرار ما يوجبه من أقوال الكفرة فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ فافزع إلى ربك فيما نابك من ضيق الصدر بالتسبيح ملتبسا بحمده أي قل: سبحان الله والحمد لله أو فنزهه عما يقولون حامدا له سبحانه على أن هداك للحق، فالتسبيح والحمد بمعناهما اللغوي كما أنهما على الأول بمعناهما العرفي أعني قول تينك الجملتين، وفي التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره صلى الله عليه وسلم ما لا يخفى من
(١) عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنهم كانوا ثمانية اه منه.