أنه أبيض ربعة فغيروه بأسمر طويل وغيروا آية الرجم بالتسخيم وتسويد الوجه- كما في البخاري- وقيل: المراد بكلام الله تعالى ما سمعوه على الطور، فيكون المراد من الفريق طائفة من أولئك السبعين، وقد روى الكلبي أنهم سألوا موسى عليه السلام أن يسمعهم كلامه تعالى، فقال لهم: اغتسلوا والبسوا الثياب النظيفة ففعلوا فأسمعهم الله تعالى كلامه، ثم قالوا: سمعنا يقول في آخره: إن استطعتم أن تفعلوا هذه الأشياء فافعلوا، وإن شئتم فلا تفعلوا. والتحريف على هذا الزيادة. ثم لا يخفى أن فيما افتروا شاهدا على فساده حيث علقوا الأمر بالاستطاعة والنهي بالمشيئة- وهما لا يتقابلان- وكأنهم أرادوا بالأمر غير الموجب على معنى افعلوا إن شئتم وإن شئتم فلا تفعلوا كذا أفاده العلامة ومقصوده بيان منشأ تحريفهم الفاسد، فلا ينافي كون عدم التقابل شاهدا على فساده، ومقتضى هذه الرواية أن هؤلاء سمعوا كلامه تعالى بلا واسطة كما سمعه موسى عليه السلام، والمصحح أنهم لم يسمعوا بغير واسطة، وأن ذلك مخصوص به عليه السلام، وقيل: المراد به الوحي المنزل على نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم، كان جماعة من اليهود يسمعونه فيحرفونه قصدا أن يدخلوا في الدين ما ليس منه، ويحصل التضاد في أحكامه وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ [التوبة:
٣٢] وقرأ الأعمش «كلم الله» .
مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ أي ضبطوه وفهموه- ولم يشتبه عليهم صحته- وما مصدرية أي من بعد عقلهم إياه، والضمير في عَقَلُوهُ عائد على كلام الله، وقيل: ما موصولة والضمير عائد عليها، وهو بعيد.
وَهُمْ يَعْلَمُونَ متعلق العلم محذوف، أي إنهم مبطلون كاذبون، أو ما في تحريفه من العقاب، وفي ذلك كمال مذمتهم، وبهذا التقرير يندفع توهم تكرار ما ذكر- بعد ما عقلوه- وحاصل الآية استبعاد الطمع في أن يقع من هؤلاء السفلة إيمان، وقد كان أحبارهم ومقدموهم على هذه الحالة الشنعاء، ولا شك أن هؤلاء أسوأ خلقا وأقل تمييزا من أسلافهم أو استبعادا لطمع في إيمان هؤلاء الكفرة المحرفين، وأسلافهم الذين كانوا زمن نبيهم فعلوا ذلك فلهم فيه سابقة وبهذا يندفع ما عسى أن يختلج في الصدر من أنه كيف يلزم من إقدام بعضهم على التحريف حصول اليأس من إيمان باقيهم وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا جملة مستأنفة إثر بيان ما صدر عن أسلافهم لبيان ما صدر عنهم بالذات من الشنائع المؤيسة عن إيمانهم من نفاق بعض وعتاب آخرين عليهم، ويحتمل أن تكون معطوفة على وقد كان فريق منهم إلخ، وقيل: معطوفة على يَسْمَعُونَ وقيل: على قوله تعالى: وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً عطف القصة على القصة وضمير لَقُوا لليهود على طبق أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وضمير قالُوا للاقين لكن لا يتصدى الكل للقول حقيقة، بل بمباشرة منافقيهم وسكوت الباقين، فهو من إسناد ما للبعض للكل- ومثله أكثر من أن يحصى- وهذا أدخل، كما قال مولانا- مفتي الديار الرومية- في تقبيح حال الساكتين «أولا» العاتبين «ثانيا» لما فيه من الدلالة على نفاقهم واختلاف أحوالهم وتناقض آرائهم من إسناد القول إلى المباشرين خاصة بتقدير المضاف، أي قال منافقوهم- كما فعله البعض- وقيل: الضمير الأول لمنافقي اليهود كالثاني ليتحد فاعل الشرط والجزاء مراعاة لحق النظم ويؤيده ما روي عن ابن عباس والحسن وقتادة في تفسير وَإِذا لَقُوا يعني منافقي اليهود المؤمنين الخلّص قالوا: إلا أن السباق واللحاق- كما رأيت وسترى- يبعدان ذلك، وقرأ ابن السميفع «لاقوا» .
وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ أي إذا انفرد بعض المذكورين- وهم الساكتون منهم- بعد فراغهم عن الاشتغال بالمؤمنين متوجهين منضمين إلى بعض آخر منهم وهم من نافق، وهذا كالنص على اشتراك الساكتين في لقاء المؤمنين، إذ- الخلو- إنما يكون بعد الاشتغال ولأن عتابهم معلق بمحض- الخلو ولولا إنهم حاضرون عند المقاولة