للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأحرار ليس مما لهم دخل في إيجاده ولا تملكه بل هو مما أعطاه الله تعالى إياهم فحيث لم يستو الفريقان فما ظنكم برب العالمين حيث تشركون به ما لا ذليل أذل منه وهو الأصنام، وقيل: إن هذا تمثيل للكافر المخذول والمؤمن الموفق شبه الأول بمملوك لا تصرف له لأنه لإحباط عمله وعدم الاعتداد بأفعاله واتباعه لهواه كالعبد المنقاد الملحق بالبهائم بخلاف المؤمن الموفق، وجعله تمثيلا لذلك مروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وقتادة ولا تعيين أيضا وإن قيل: إن الآية نزلت في أبي بكر رضي الله تعالى عنه. وأبي جهل، على أن أبا حيان قال إنه لا يصح إسناد ذلك، هذا ثم اعلم أنهم اختلفوا في العبد هل يصح له ملك أم لا قال في الكشاف: المذهب الظاهر أنه لا يصح وبه قال الشافعي، وقال ابن المنير على ما لخصه في الكشف من كلام طويل إنه يصح له الملك عند مالك: وظاهر الآية تشهد له لأنه أثبت له العجز بقوله تعالى: مَمْلُوكاً ثم نفي القدرة العارضة بتمليك السيد بقوله سبحانه: لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وليس المعنى القدرة على التصرف لأن مقابله وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً والحمل على إخراج المكاتب مع شذوذه إيجاز مع إخلال كما قال إمام الحرمين رحمه الله تعالى في «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها» الحمل على المكاتبة بعيد لا يجوز والمأذون لم يخرج لما مر من أن المراد بالقدرة ما هو، وليس لقائل أن يقول: إنه صفة لازمة موضحة فالأصل في الصفات التقيد اه.

وتعقبه المدقق بقوله: والجواب أن المعنى على نفي القدرة عن التصرف فالآية واردة في تمثيل حال الأصنام به تعالى عن ذلك علوا كبيرا وكلما بولغ في حال عجز المشبه به وكمال المقابل دل في المشبه به أيضا على ذلك فالذي يطابق المقام القدرة على التصرف وهو في مقابلة قوله تعالى: يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً وما ذكره لا حاصل له ولا إخلال في إخراج المكاتب لشمول اللفظ مع أن المقام مقام مبالغة فما يتوهم دخوله بوجهه ينبغي أن ينفى وأين هذا مما نقله عن إمام الحرمين اه. واستدل بالآية أيضا على أن العبد لا يملك الطلاق أيضا وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، فقد أخرج ابن أبي حاتم عنه أنه قال: ليس للعبد طلاق إلا بإذن سيده وقرأ الآية وقد فصلت أحكام العبيد في حكم الفقه على أتم وجه الْحَمْدُ لِلَّهِ أي كله له سبحانه لا يستحقه أحد غيره تعالى لأنه جل شأنه المولى للنعم وإن ظهرت على أيدي بعض الوسائط فضلا عن استحقاق العبادة.

وفيه إرشاد إلى ما هو الحق من أن ما يظهر على يد من ينفق فيما ذكر راجع إليه تعالى كما لوح به رَزَقْناهُ وقال غير واحد هذا حمد على ظهور المحجة وقوة هذه الحجة بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ

ما ذكر فيضيفون نعمه تعالى إلى غيره ويعبدونه لأجلها أو لا يعلمون ظهور ذلك وقوة ما هنالك فيبقون على شركهم وضلالهم، ونفي العلم عن أكثرهم للإشعار بأن بعضهم يعلمون ذلك وإنما لم يعملوا بموجبه عنادا وقيل: المراد بالأكثر الكل فكأنه قيل: هم لا يعلمون، وقيل: ضمير هم للخلق والأكثر هم المشركون، وكلا القولين خلاف الظاهر.

وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا أي مثلا آخر يدل على ما يدل عليه المثل السابق على وجه أظهر وأوضح، وأبهم ثم بين بقوله تعالى: رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لما تقدم والبكم الخرس المقارن للخلقة ويلزمه الصمم فصاحبه لا يفهم لعدم السمع ولا يفهم غيره لعدم النطق، والإشارة لا يعتد بها لعدم تفهيمها حق التفهيم لكل أحد فكأنه قيل: أحدهما أخرس أصم لا يفهم ولا يفهم لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ من الأشياء المتعلقة بنفسه أو غيره بحدس أو فراسة لسوء فهمه وإدراكه وَهُوَ كَلٌّ ثقيل وعيال عَلى مَوْلاهُ على من يعوله ويلي أمره، وهذا بيان لعدم قدرته على إقامة مصالح نفسه بعد ذكر عدم قدرته مطلقا، وقوله سبحانه:

أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ أي حيثما يرسله مولاه في أمر لا يأت بنجح وكفاية مهم، بيان لعدم قدرته على

<<  <  ج: ص:  >  >>