لولا الجناح ولطف الجو والآلات ما أمكن الطيران اه وأنا لا أظن أن أحدا ينفي الإمكان الذاتي للطيران بدون الجناح مثلا لكن لا يبعد نفيه بدون لطف المطار والكثير متى خرق كان المطار لطيفا فافهم. واستدل بالآية على أن العبد خالق لأفعاله، وأولها القاضي وهو ارتكاب لخلاف الظاهر لغير دليل.
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ معطوف على ما مر، وتقديم لَكُمْ على ما بعده للتشويق والإيذان من أول الأمر بأن هذا الجعل لمنفعتهم، وقوله تعالى: مِنْ بُيُوتِكُمْ تبيين لذلك المجعول المبهم في الجملة وتأكيد لما سبق من التشويق والإضافة للعهد أي من بيوتكم المعهود التي تبنونها من الحجر والمدر والأخشاب سَكَناً فعل بمعنى مفعول كنقض وأنشد الفراء:
جاء الشتاء ولما أتخذ سكنا ... يا ويح نفسي من حفر القراميص
وليس بمصدر كما ذهب إليه ابن عطية أي موضعا تسكنون فيه وقت إقامتكم، وجوز أن يكون المعنى تسكنون إليه من غير أن ينتقل من مكانه أي جعل بعض بيوتكم بحيث تسكنون إليه وتطمئنون به. وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً أي بيوتا أخر مغايرة لبيوتكم المعهودة وهي القباب المتخذة من الأدم والظاهر أنه لا يندرج في هذه البيوت البيوت المتخذة من الشعر والصوف والوبر، وقال ابن سلام وغيره: بالاندراج لأنها من حيث إنها ثابتة على جلودها يصدق عليها أنها من جلودها. واعترض بأن مِنْ على الأول تبعيضية وعلى إرادة البيوت التي من الشعر ونحوه ابتدائية. فإذا عمم ذلك يلزم استعمال المشترك في معنييه وأجيب بأن القائل بذلك لعله يرى جواز هذا الاستعمال، وممن قال بذلك البيضاوي وهو شافعي. وقيل: الجلود مجاز عن المجموع تَسْتَخِفُّونَها أي تجدونها خفيفة سهلة المأخذ فالسين ليست للطلب بل للوجدان كأحمدته وجدته محمودا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وقت ترحالكم في النقض والحمل وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ ووقت نزولكم وإقامتكم في مسايركم حسبما يتفق في الضرب والبناء، وجوز أن يكون المعنى تجدونها خفيفة في أوقات السفر وفي أوقات الحضر، واختار ابن المنير الأول وقال: إنه التفسير لأن المنة في خفتها في السفر أتم وأقوى إذ لا يهم المقيم أمرها، قال في الكشف: وهو حق، وقال بعض الفضلاء: ينبغي أن يكون الثاني أولى للعموم فإن حالتي السفر اندرجتا في يوم ظعنكم حيث أريد به مقابل الحضر والخفة على المقيم نعمة في حقه أيضا فإنه يضربها وقد ينقلها من مكان إلى مكان قريب لداع يدعو إليه فالأولى أن لا تخلو الآية عن التعرض لذلك اه ولا يخفى أن الاندراج ظاهر إن أريد بالظعن مقابل الحضر وأما إذا أريد به مقابل النزول كما سمعت فغير ظاهر.
نعم يجوز إرادة ذلك، وقرأ الحرميان. وأبو عمرو «ظعنكم» بفتح العين. وباقي السبعة بسكونها وهما لغتان والفتح على ما في المعالم أجزلهما، وقيل: الأصل الفتح والسكون تخفيف لأجل حرف الحلق كالشعر والشعر.
وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها عطف على قوله تعالى: ومِنْ جُلُودِ والضمير للأنعام على وجه التنويع أي وجعل لكم من أصواف الضأن وأوبار الإبل وأشعار المعز أَثاثاً أي متاع البيت كالفرش وغيرها كما قال المفضل، قال الفراء: لا واحد له من لفظه كما أن المتاع كذلك ولو جمعت قلت: أأثثة في القليل وأثث في الكثير. وقال أبو زيد: واحدة أثاثة وأصله- كما قال الخليل- من قولهم: أثث النبات والشعر وهو أثيث إذا كثر قال امرؤ القيس:
ونصبه على أنه معطوف على بُيُوتاً مفعول جعل فيكون مما عطف فيه جار ومجرور مقدم ومنصوب على مثلهما نحو ضربت في الدار زيدا وفي الحجرة عمرا وهو جائز وليس بمستقبح كما زعم في الإيضاح.