استمرارهم على الإفساد وهو الصد عن السبيل، وجوز أن يفسر ذلك بما هو أعم من الكفر والصد، والمعنى زدناهم عذابا فوق عذابهم الذي يستحقونه بمجرد الكفر والصد بسبب استمرارهم على هذين الأمرين القبيحين، ووجه ذلك أن البقاء على المعصية يومين مثلا أقبح من البقاء عليها يوما والبقاء ثلاثة أيام أقبح من البقاء يومين وهكذا، ومن هنا قالوا:
الإصرار على الصغيرة كبيرة، وقيل: إن أهل جهنم يستحقون من العذاب مرتبة مخصوصة هي ما يكون لهم أول دخولها والزيادة عليها إنما هي لحفظها إذ لو لم تزد لألفوها وطابت أنفسهم بها كمن وضع يده في ماء حار مثلا فإنه يجد أول زمان وضعها ما لا يجده بعد مضي ساعة وهو كما ترى.
وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ وهو كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما نبيهم الذي بعث فيهم في الدنيا، ومعنى كونه مِنْ أَنْفُسِهِمْ أنه منهم، وذلك ليكون أقطع للمعذرة، ولا يرد لوط عليه السلام فإنه لما تأهل فيهم وسكن معهم عد منهم أيضا، وقال ابن عطية: يجوز أن يبعث الله تعالى شهداء من الصالحين مع الأنبياء عليهم السلام، وقد قال بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم: إذا رأيت أحدا على معصية فانهه فإن أطاعك وإلا كنت شهيدا عليه يوم القيامة، وذكر الإمام في الآية قولين الأول أن كل نبي شاهد على قومه كما تقدم، والثاني إن كل قرن وجمع يحصل في الدنيا فلا بد أن يحصل فيهم من يكون شهيدا عليهم ولا بد أن لا يكون جائزا الخطأ وإلا لاحتاج إلى آخر وهكذا فيلزم التسلسل، ووجود الشهيد كذلك في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ظاهر وأما بعده فلا بد في كل عصر من أقوام تقوم الحجة بقولهم وهم قائمون مقام الشهيد المعصوم، ثم قال: وهذا يقتضي أن يكون إجماع الأمة حجة انتهى، وإلى أنه لا بد في كل عصر ممن يكون قوله حجة على أهل عصره ذهب الجبائي وأكثر المعتزلة، قال الطبرسي في مجمع البيان: ومذهبهم يوافق مذهب أصحابنا يعني الشيعة وإن خالفه في أن ذلك الحجة من هو. وأنت تعلم أن الاستدلال بالآية على هذا المطلب ضعيف، وتحقيق الكلام في ذلك يطلب من محله.
وقال الأصم: المراد بالشهيد أجزاء من الإنسان، وذلك أنه تعالى ينطق عشرة أجزاء منه وهي الأذنان والعينان والرجلان واليدان والجلد واللسان فتشهد عليه لأنه سبحانه قال في صفة الشهيد من أنفسهم.
وتعقبه القاضي وغيره بأن كونه شهيدا على الأمة يقتضي أن يكون غيرهم. وأيضا قوله تعالى: فِي كُلِّ أُمَّةٍ يأبى ذلك إذ لا يصح وصف آحاد الأعضاء بأنها من الأمة وأيضا مقابلة ذلك بقوله سبحانه: وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ يبعد ما ذكر كما لا يخفى، والمراد بهؤلاء أمته صلى الله عليه وسلم عند أكثر المفسرين، ولم يستبعد أن يكون المراد بهم ما يشمل الحاضرين وقت النزول وغيرهم إلى يوم القيامة فإن أعمال أمته عليه الصلاة والسلام تعرض عليه بعد موته.
فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم ومماتي خير لكم تعرض على أعمالكم فما رأيت من خير حمدت الله عليه وما رأيت من شر استغفرت الله تعالى لكم»
بل
جاء أن أعمال العبد تعرض على أقاربه من الموتى،
فقد أخرج ابن أبي الدنيا عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تفضحوا أمواتكم بسيئات أعمالكم فإنها تعرض على أوليائكم من أهل القبور»
وأخرج أحمد عن أنس مرفوعا «إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات فإن كان خيرا استبشروا وإن كان غير ذلك قالوا: اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا» وأخرجه أبو داود من حديث جابر بزيادة «وألهمهم أن يعملوا بطاعتك» .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي الدرداء أنه قال: «إن أعمالكم تعرض على موتاكم فيسرون ويساؤون» فكان أبو الدرداء يقول عنه ذلك: اللهم إني أعوذ بك أن يمقتني خالي عبد الله بن رواحة إذا لقيته يقول ذلك في سجوده. والنبي صلى الله عليه وسلم لأمته بمنزلة الوالد بل أولى، ولم أقف على عرض أعمال الأمم السابقة على أنبيائهم بعد الموت ولم أر من تعرض