وذكر الطبرسي أن المروي عن أبي جعفر أن المراد من ذي القربى هنا قرابته صلى الله عليه وسلم المرادون في قوله سبحانه: فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى.
وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ الإفراط في متابعة القوة الشهوية كالزنا مثلا، وفسر ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الفحشاء به، ولعله تمثيل لا تخصيص وَالْمُنْكَرِ ما ينكر على متعاطيه من الإفراط في إظهار القوة الغضبية، وعن ابن عباس. ومقاتل تفسيره بالشرك، وعن ابن السائب أنه ما وعد عليه بالنار، وعن ابن عيينة أنه مخالفة السريرة للعلانية، وقيل: ما لا يوجب الحد في الدنيا لكن يوجب العذاب في الآخرة.
وقال الزمخشري: ما تنكره العقول. وتعقبه ابن المنير فقال: إنه لفتة إلى الاعتزال ولو قال: المنكر ما أنكره الشرع لوافق الحق لكنه لا يدع بدعة المعتزلة في التحسين والتقبيح بالعقل، وقال في الكشف بعد قوله: ما تنكره العقول أي بعد رده إلى قوانين الشرع فالإنكار بالعقل بالضرورة، وإنما الخلاف في مأخذه والمقصود أن ما يمكن أن يجري على المذهبين لا يحق المحاقة فيه وهو كالتعريض بابن المنير، واستظهر أبو حيان أن المنكر أعم من الفحشاء قال: لاشتماله على المعاصي والرذائل، وعلى (١) أولا ليس الأمر كذلك وسيأتي إن شاء الله تعالى وَالْبَغْيِ الاستعلاء والاستيلاء على الناس والتجبر عليهم، وهو من آثار القوة الوهمية الشيطانية التي هي حاصلة من رذيلتي القوتين المذكورتين الشهوانية والغضبية، وأصل معنى البغي الطلب ثم اختص بطلب التطاول بالظلم والعدوان، ومن ثم فسر بما فسر وبذلك فسره ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وتخصيص كل من المتعاطفات الثلاثة المنهي عنها بالإشارة إلى قوة من القوى الثلاثة مما ذهب إليه غير واحد.
واعترض بأن ذلك مما لا دليل عليه، وقال بعضهم: المنكر أعم الثلاثة باعتبار أن المراد به ما ينكره الشرع ويقبحه من الأقوال أو الأفعال سواء عظم قبحه ومفسدته أم لا وسواء كان متعديا إلى الغير أم لا، وأن المراد بالفحشاء ما عظم قبحه من ذلك، ومنه قيل لمن عظم قبحه في البخل فاحش، وعلى ذلك حمل الراغب قول الشاعر:
أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي ... عقيلة مال الفاحش المتشدد
والبغي التطاول بالظلم والعدوان ففي الآية عطف العام على الخاص وعطف الخاص على العام، وقيل: المراد بالفحشاء مقابل العدل ويفسر بما خرج عن سنن الاعتدال إلى جانب الإفراط، وبالمنكر ما يقابل ما فيه الإحسان ويفسر بما أتى به على غير الوجه اللائق بل على وجه ينكر ويستقبح وبالبغي ما يقابل إيتاء ذي القربى ويفسر بما فسر ويكون قد قوبل في الآية الأمر بالنهي وكل من المأمور به بكل من المنهي عنه وجمع بين الآمر والنهي مع أن الأمر بالشيء نهي عن ضده والنهي عن الشيء أمر بضده لمزيد الاهتمام والاعتناء. والإمام الرازي قد أطال الكلام في هذا المقام وذكر أن ظاهر الآية يقتضي المغايرة بين الثلاثة المأمور بها ويقتضي أيضا المغايرة بين الثلاثة المنهي عنها وشرع في بيان المغايرة بين الأول ثم قال: والحاصل أن العدل عبارة عن القدر الواجب من الخيرات والإحسان عبارة عن الزيادة في الطاعات بحسب الكمية وبحسب الكيفية وبحسب الدواعي والصوارف وبحسب الاستغراق في شهود مقام العبودية والربوبية، ويدخل في تفسيره العظيم لأمر الله تعالى والشفقة على خلقه سبحانه، ومن الظاهر أن الشفقة على الخلق أقسام كثيرة أشرفها وأجلها صلة الرحم لا جرم أنه سبحانه أفرده بالذكر، ثم شرع في بيان المغايرة بين الأخيرة وقال:
تفصيل القول في ذلك أنه تعالى أودع في النفس البشرية قوى أربعة وهي الشهوانية البهيمية والغضبية السبعية والوهمية
(١) محل هذا البياض كلمة مقطوعة في نسخة المؤلف وهو من كلام المؤلف وليس من كلام أبي حيان ولعلها ما فسر به.