الإسلام. وظاهره أنها في البيعة على الإسلام مطلقا، فالمراد بعهد الله تلك البيعة كما نص عليه غير واحد. واعترض بأن الظاهر أنه عام في كل موثق وهو الي يقتضيه كلام ميمون بن مهران، وسبب النزول ليس من المخصصات، ولذا قالوا: الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وأجيب بأن قرينة التخصيص قوله تعالى فيما قبل: إن الَّذِينَ كَفَرُوا بالآية، وفيه نظر، وقال الأصم: المراد به الجهاد وما فرض في الأموال من حق ولا يلائمه قوله تعالى: إِذا عاهَدْتُمْ وقيل: المراد به النذر، وقيل: اليمين: وتعقب ذلك الإمام بأنه حينئذ يكون قوله تعالى.
وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها تكرارا لأن الوفاء بالعهد والمنع من النقض متقاربان لأن الأمر بالفعل يستلزم النهي عن الترك، وإذا حمل العهد على العموم بحيث دخل تحته اليمين كان هذا من باب تخصيص بعض الإفراد بالذكر للاعتناء به وبعض من فسر العهد بالبيعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمل الأيمان على ما وقع عند تلك البيعة، وجوز بعضهم حملها على مطلق الأيمان.
وفي الحواشي السعدية أن الظاهر أن المراد بها الأشياء المحلوف عليها كما في قوله عليه الصلاة والسلام:
«ومن حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه» لأنه لو كان المراد ذكر اسم الله تعالى كان عين التأكيد لا المؤكد فلم يكن محل ذكر العطف كما تقرر في المعاني ورد بأن المراد بها العقد لا المحلوف عليه لأن النقض إنما يلائم العقد ولا ينافي ذلك قوله تعالى: بَعْدَ تَوْكِيدِها لأن المراد كون العقد مؤكدا بذكر الله تعالى لا بذكر غيره كما يفعله العامة الجهلة فالمعنى أن ذلك النهي لما ذكر لا عن نقض الحلف بغير الله تعالى وقال الواحدي: إن قوله سبحانه: بَعْدَ تَوْكِيدِها لإخراج لغو اليمين نحو لا والله بلى والله بناء على أن المعنى بعد توكيدها بالعزم والعقد ولغو اليمين ليست كذلك. ثم إذا حمل الإيمان على مطلقها فهو- كما قال الإمام- عام دخله التخصيص بالحديث السابق الدال على أنه متى كان الصلاح في نقض اليمين جاز نقضها. وتعقب بأن فيه تأملا لأن الحظر لو لم يكن باقيا لما احتيج إلى الكفارة الساترة للذنب. وأجيب بأن وجوب الكفارة بطريق الزجر إذ أصل الإيمان الانعقاد ولو محظوره فلا ينافي لزوم موجبها، وجوز أن يقال: إن ذلك للإقدام على الحلف بالله تعالى في غير محله فليتأمل، والتوكيد التوثيق، ومنه أكد بقلب الواو همزة على ما ذهب إليه الزجاج وغيره، من النحاة، وذهب آخرون إلى أن وكد وأكد لغتان أصليتان لأن الاستعمالين في المادة متساويان فلا يحسن القول بأن الواو بدل من الهمزة كما في الدر المصون وهو الذي اختاره أبو حيان.
وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا أي شاهدا رقيبا فإن الكفيل مراع لحال المكفول به رقيب عليه واستعمال الكفيل في ذلك إما من باب الاستعارة أو المجاز المرسل والعلاقة اللزوم.
والظاهر أن جعلهم مجاز أيضا لأنهم لما فعلوا ذلك والله تعالى مطلع عليهم فكأنهم جعلوه سبحانه شاهد قاله الخفاجي ثم قال: ولو أبقي الكفيل على ظاهره وجعل تمثيلا لعدم تخلصهم من عقوبته وإنه يسلمهم لها كما يسلم الكفيل من كفله كما يقال: من ظلم فقد أقام كفيلا بظلمه تنبيها على أنه لا يمكنه التخلص من العقوبة كما ذكره الراغب لكان معنى بليغا جدا فتدبر. والظاهر أن الجملة في موضع الحال من فاعل تَنْقُضُوا وجوز أن تكون حالا من فاعل المصدر وإن كان محذوفا، وقوله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ أي من النقض فيجازيكم على ذلك في وضع التعليل للنهي السابق، وقال الخفاجي: إنه كالتفسير لما قبله وَلا تَكُونُوا فيما تصنعون من النقض كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مصدر بمعنى المفعول أي مغزولها، والفعل منه غزل يغزل بكسر الزاي، والنقض ضد الإبراء، وهو في الجرم فك أجزائه بعضها من بعض، وقوله تعالى: مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ متعلق بنقضت على أنه ظرف له لا حال و