المنسبك لأنه مجرور فيكون هُدىً وَبُشْرى مجرورين، وجوز أبو البقاء أن يكونا مرفوعين على أنهما خبرا مبتدأ محذوف أي وهو هدى وبشرى، والجملة في موضع الحال من الهاء في نَزَّلَهُ.
والمراد بالمسلمين الذين آمنوا، والعدول عن ضميرهم لمدحهم بكلا العنوانين، وفسر بعضهم الإسلام بمعناه اللغوي فقيل: إن ذلك ليفيد بعد توصيفهم بالإيمان، والظاهر أن لِلْمُسْلِمِينَ قيد للهدى والبشرى ولم أر من تعرض لجواز كونه قيدا للبشرى فقط كما تعرض لذلك في قوله تعالى: هُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ [النحل: ٨٩] على ما سمعت هناك.
وفي هذه الآية على ما قالوا تعريض لحصول أضداد الأمور المذكورة لمن سوى المذكورين من الكفار من حيث إن قوله تعالى: قُلْ نَزَّلَهُ جواب لقولهم: إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ فيكفي فيه قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ فالزيادة لمكان التعريض وقال الطيبي إن نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ بدل نزله الله فيه زيادة تصوير في الجواب وزيد قوله تعالى بِالْحَقِّ لينبه على دفع الطعن بألطف الوجوه ثم نعى قبيح أفعالهم بقوله تعالى: لِيُثَبِّتَ إلخ تعريضا بأنهم متزلزلون ضالون موبخون منذرون بالخزي والنكال واللعن في الدنيا والآخرة وأن عذابهم في خلاف ذلك ليزيد في غيظهم وحنقهم، وفي الكلام ما هو قريب من الأسلوب الحكيم اه فتأمل.
وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ غير ما نقل عنهم من المقالة الشنعاء إِنَّما يُعَلِّمُهُ أي يعلم النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، وهو الذي يقتضيه ظاهر كلام قتادة. ومجاهد. وغيرهما واختير كون الضمير للقرآن ليوافق ضمير أَنْزَلَهُ أي يقولون إنما يعلم القرآن النبي عليه الصلاة والسلام بَشَرٌ على طريق البت مع ظهور أنه نزله روح القدس عليه عليه الصلاة والسلام، وتأكيد الجملة لتحقيق ما تتضمنه من الوعيد، وصيغة الاستقبال لإفادة استمرار العلم بحسب الاستمرار التجددي في متعلقه فإنهم مستمرون على التفوه بتلك العظيمة، وفي البحر أن المعنى على المضي فالمراد علمنا وعنوا بهذا البشر قيل: جبرا الرومي غلام عامر بن الحضرمي وكان قد قرأ التوراة والإنجيل وكان صلى الله عليه وسلم يجلس إليه إذا آذاه أهل مكة فقالوا ما قالوا.
وروي ذلك عن السدي، وقيل: مولى لحويطب بن عبد العزى اسمه عائش أو يعيش كان يقرأ الكتب وقد أسلم وحسن إسلامه قاله الفراء. والزجاج، وقيل: أبا فكيهة مولى لامرأة بمكة قيل اسمه يسار وكان يهوديا قاله مقاتل. وابن جبير إلا أنه لم يقل كان يهوديا.
وأخرج آدم بن أبي إياس. والبيهقي. وجماعة عن عبد الله بن مسلم الحضرمي قال: كان لنا عبدان نصرانيان من أهل عين التمر يقال لأحدهما يسار وللآخر جبر وكانا يصنعان السيوف بمكة وكانا يقرآن الإنجيل فربما مر بهما النبي صلى الله عليه وسلم وهما يقرءان فيقف ويستمع فقال المشركون: إنما يتعلم منهما، وفي بعض الروايات أنه قيل لأحدهما إنك تعلم محمدا صلى الله عليه وسلم فقال لا بل هو يعلمني،
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: كان بمكة غلام أعجمي روي لبعض قريش يقال له بلعام وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمه الإسلام فقالت قريش: هذا يعلم محمدا عليه الصلاة والسلام من جهة الأعاجم
وأخرج ابن جرير. وابن المنذر عن الضحاك أنه سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه، وضعف هذا بأن الآية مكية وسلمان أسلم بالمدينة، وكونها إخبارا بأمر مغيب لا يناسب السباق، ورواية أنه أسلم بمكة واشتراه أبو بكر رضي الله تعالى عنه وأعتقه بها قيل ضعيفة لا يعول عليها كاحتمال أن هذه الآية مدنية.
وقد أخبرني من أثق به عن بعض النصارى أنه قال له: كان نبيكم صلى الله عليه وسلم يتردد إليه في غار حراء رجلان نصراني ويهودي يعلمانه، ولم أجد هذا عن أحد من المشركين وهو كذب بحت لا منشأ له وبهت محض لا شبهة فيه، وإنما لم يصرح باسم من زعموا أنه يعلمه عليه الصلاة والسلام مع أنه أدخل في ظهور كذبهم للإيذان بأن مدار خطئهم ليس بنسبته صلى الله عليه وسلم إلى التعلم من شخص معين بل من البشر كائنا من كان مع كونه عليه الصلاة والسلام معدنا لعلوم الأولين