للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدعوة ولا شك أن ذلك ليس داخلا في مفهومها فإنها ما شرعه الله تعالى لعباده على لسان الأنبياء عليهم السلام من أمللت الكتاب إذا أمليته وهي الدين بعينه لكن باعتبار الطاعة له، وتحقيقه أن الوضع الإلهي مهما نسب إلى من يؤديه عن الله تعالى يسمى ملة ومهما نسب إلى من يقيمه يسمى دينا، قال الراغب: الفرق بينها وبين الدين أنها لا تضاف إلا للنبي صلى الله عليه وسلم الذي يسند إليه ولا تكاد توجد مضافة إلى الله تعالى ولا إلى آحاد أمة النبي عليه السلام ولا تستعمل إلا في جملة الشرائع دون آحادها ولا كذلك الدين، وأكثر المفسرين على أن المراد بها هنا أصول الشرائع، ويحمل عليه ما روي عن قتادة أولا ولا بأس بما روي عنه ثانيا.

واستدلال بعض الشافعية على وجوب الختان وما كان من شرعه عليه السلام ولم يرد به ناسخ مبني على ذلك كما لا يخفى. وما روي عن ابن عمرو بن العاص ذكره في البحر والذي أخرجه ابن المنذر والبيهقي في الشعب.

وجماعة عنه أنه قال: صلى جبريل عليه السلام بإبراهيم الظهر والعصر بعرفات ثم وقف حتى إذا غابت الشمس دفع به ثم صلى المغرب والعشاء بجمع ثم صلى به الفجر كأسرع ما يصلي أحد من المسلمين ثم وقف به حتى إذا كان كأبطأ ما يصلي أحد من المسلمين دفع به ثم رمى الجمرة ثم ذبح وحلق ثم أفاض به إلى البيت فطاف به فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ ولعل ما ذكر أولا مأخوذ منه.

وأنت تعلم أنه ليس نصا فيه ولا أظن أن أحدا يوافق على تخصيص ملته عليه السلام بمناسك الحج.

وأَنِ تفسيرية أو مصدرية ومر الكلام في وصلها بالأمر، وثُمَّ قيل: للتراخي الزماني لظهور أن أيامه صلى الله عليه وسلم بعد أيامه عليه السلام بكثير، واختار المحققون أنها للتراخي الرتبي لأنه أبلغ وأنسب بالمقام.

قال الزمخشري: إن في ثُمَّ هذه إيذانا بأنه أشرف ما أوتي خليل الله عليه السلام من الكرامة وأجل ما أوتي من النعمة اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم ملته وتعظيما لمنزلة نبينا عليه الصلاة والسلام وإجلالا لمحله، أما الأول فمن دلالة ثم على تباين هذا المؤتى وسائر ما أوتي عليه السلام من الرتب والمآثر، وأما الثاني فمن حيث إن الخليل مع جلالة محله عند الله تعالى أجل رتبته أن أوحى إلى الحبيب اتباع ملته، وفي لفظ أَوْحَيْنا ثم الأمر باتباع الملة لا اتباع إبراهيم عليه السلام ما يدل كما في الكشف على أنه صلى الله عليه وسلم ليس بتابع له بل هو مستقل بالأخذ عمن أخذ إبراهيم عليه السلام عنه حَنِيفاً حال من إبراهيم المضاف إليه لما أن المضاف لشدة اتصاله به جرى منه مجرى البعض فعد بذلك من قبيل رأيت وجه هند قائمة.

ونقل ابن عطية عن مكي عدم جواز كونه حالا منه معللا ذلك بأنه مضاف إليه، وتعقبه بقوله: ليس كما قال لأن الحال قد يعمل فيها حروف الخفض إذا عملت في ذي الحال نحو مررت بزيد قائما، وفي كلا الكلامين بحث لا يخفى.

ومنع أبو حيان مجيء الحال من المضاف إليه في مثل هذه الصورة أيضا وزعم أن الجواز فيها مما تفرد به ابن مالك والتزم كون حَنِيفاً حالا من مِلَّةَ لأنها والدين بمعنى أو من الضمير في اتَّبِعْ وليس بشيء ولم يتفرد بذلك ابن مالك بل سبقه إليه الأخفش وتبعه جماعة وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بل كان قدوة المحققين وهذا تكرير لما سبق لزيادة تأكيد وتقرير لنزاهته عليه السلام عما هم عليه من عقد وعمل، وقوله تعالى: إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ بمعنى إنما فرض تعظيمه والتخلي للعبادة وترك الصيد فيه تحقيق لذلك النفي الكلي وتوضيح له بإبطال ما عسى يتوهم كونه قادحا في الكلية فإن اليهود كانوا يزعمون أن السبت من شعائر الإسلام وأن إبراهيم عليه السلام كان محافظا عليه أي

<<  <  ج: ص:  >  >>