بينهما جمع بين معنى المشترك، وعلى الجمع فالوجه ما ذكر أنه الوجه فافهم، وقيل إن سبحان ليس علما أصلا بلا تفصيل ففيه ثلاثة مذاهب، وذكر بعضهم أنه في الآية على معنى الأمر أي نزهوا الله تعالى وبرئوه من جميع النقائص ويدخل فيها العجز عما بعد أو من العجز عن ذلك، والمتبادر اعتبار المضارع، والإسراء السير بالليل خاصة كالسري فأسرى وسرى بمعنى (١) وليست همزة أسرى للتعدية كما قال أبو عبيدة، وقال ابن عطية: الهمزة للتعدية والمفعول محذوف أي أسرى ملائكته بعبده، قال في البحر: وإنما احتاج إلى هذه الدعوى لاعتقاد أنه إذا كان أسرى بمعنى سرى لزم من كون الباء للتعدية مشاركة الفاعل للمفعول وهذا شيء ذهب إليه المبرد فإذا قلت: قمت بزيد يلزم منه قيامك وقيام زيد عنده وإذا جعلت الباء كالهمزة لا يلزم ذلك كما لا يخفى، وقال أيضا: يحتمل أن يكون أسرى بمعنى سرى على حذف مضاف وإقامة المضاف إليه مقامه والأصل أسرى ملائكته وهو مبني على ذلك الاعتقاد أيضا، وقال الليث: يقال أسرى لأول الليل وسرى لآخره وأما سار فالجمهور على أنه عام لا اختصاص له بليل أو نهار. وقيل إنه مختص بالنهار وليس مقلوبا من سري، وإيثار لفظة العبد للإيذان بتمحضه صلّى الله عليه وسلّم في عبادته سبحانه وبلوغه في ذلك غاية الغايات القاصية ونهاية النهايات النائية حسبما يلوح به مبدأ الإسراء ومنتهاه، والعبودية على ما نص عليه العارفون أشرف الأوصاف وأعلى المراتب وبها يفتخر المحبون كما قيل:
لا تدعني إلا بيا عبدها ... فإنه أشرف أسمائي
وقال آخر:
بالله إن سألوك عني قل لهم ... عبدي وملك يدي وما أعتقته
وعن أبي القاسم سليمان الأنصاري أنه قال: لما وصل النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى الدرجات العالية والمراتب الرفيعة أوحى الله تعالى إليه يا محمد بم نشرفك؟ قال: بنسبتي إليك بالعبودية فأنزل الله تعالى (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ) وجاء قولوا عبد الله ورسوله، وقيل إن في التعبير به هنا دون حبيبه مثلا سدا لباب الغلو فيه صلّى الله عليه وسلّم كما وقع للنصارى في نبيهم عليه السلام، وذكروا أنه لم يعبر الله تعالى عن أحد بالعبد مضافا إلى ضمير الغيبة المشار به إلى الهوية إلا النبي صلّى الله عليه وسلّم وفي ذلك من الإشارة ما فيه، ومن تأمل أدنى تأمل ما بين قوله تعالى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ وقوله تعالى وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا [الأعراف: ١٤٣] ظهر له الفرق التام بين مقام الحبيب ومقام الكليم صلّى الله عليه وسلّم وسيأتي إن شاء الله تعالى قريبا في هذه السورة ما يفهم منه الفرق أيضا فلا تغفل، وإضافة سُبْحانَ إلى الموصول المذكور للإشعار بعلية ما في حيز الصلة للمضاف فإن ذلك من أدلة كمال قدرته وبالغ حكمته وغاية تنزهه تعالى عن صفات النقص، وقوله تعالى لَيْلًا ظرف لأسرى، وفائدته الدلالة بتنكيره على تقليل مدة الإسراء وأنها بعض من أجزاء الليل ولذلك قرأ عبد الله. وحذيفة «من الليل» أي بعضه كقوله تعالى وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ [الإسراء: ٧٩] .
واعترض بأن البعضية المستفادة من التبعيضية هي البعضية في الأجزاء والبعضية المستفادة من التنكير البعضية في الأفراد والجزئيات فكيف يستفاد من التنكير أن الإسراء كان في بعض من أجزاء الليل فالصواب أن تنكيره لدفع توهم أن الإسراء كان في ليال أو لإفادة تعظيمه كما هو المناسب للسياق والسباق أي ليلا أي ليل دنا فيه المحب إلى المحبوب وفاز في مقام الشهود بالمطلوب. وأجاب عن ذلك بعض الكاملين بما لا يخفى نقصه. وقال بعض المحققين: إن ما ذكر قد نص عليه الشيخ عبد القاهر في دلائل الإعجاز ولا يرد عليه الاعتراض ابتداء.
(١) ويقال أسراه وأسرى به كأخذ الخطام وأخذ به اهـ منه.