أوساخ التعلقات فيها يمنعهم عن سماع القراءة وهذا ناشىء من جهلهم بأفعاله تعالى وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً لتشتت أهوائها وتفرق همهم في عبادة آلهتهم المتنوعة فلا تناسب الوحدة بواطنهم يَوْمَ يَدْعُوكُمْ للقيام من القبور فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ حامدين له تعالى مجده بلسان القال أو بلسان الحال حيث أظهر فيكم الحياة بعد الموت ونحو ذلك.
وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ في القبور أو في الدنيا إِلَّا قَلِيلًا لذهولكم عن ذلك الزمان أو لاستقصاركم الدنيا بالنسبة إلى الآخرة رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ فيه إشارة إلى أن المشيئة تابعة للعلم فمن علم سبحانه أهليته للرحمة شاء تعالى رحمته فرحمه ومن علم جل وعلا أهليته للعذاب شاء عذابه فعذبه، ولا يخفى ما في تقديم شق مشيئته الرحمة من تقوية الأمل أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ أي يدعونهم الكفار ويعبدونهم يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ أي يطلب الأقرب منهم الوسيلة إلى الله تعالى فكيف بغير الأقرب والوسيلة في الأصل الواسطة التي يتوسل ويتقرب بها إلى الشيء وهي هنا الطاعة كما تقدم.
وقيل هي كرمه تعالى القديم وإحسانه عز وجل العميم، وقيل هي الشفاعة يوم القيامة، ولما كان مقام الوسيلة بهذا المعنى خاصا بنبينا صلّى الله عليه وسلّم أطلقوا الوسيلة عليه الصلاة والسلام، وفسرها بذلك هنا بعض الصوفية فكل من عبد من دون الله تعالى من عيسى وعزير والملائكة عليهم السلام وسيلتهم إلى الله تعالى نبينا صلّى الله عليه وسلّم بل هو عليه الصلاة والسلام وسيلة سائر الموجودات والواسطة بينهم وبين الله تعالى في إفاضته سبحانه الوجود وكذا سائر ما أفيض عليهم وأحظى الخلق بوساطته الأنبياء عليهم السلام فإنهم أشعة أنواره وعكوسات آثاره وهو النور الحق والنبي المطلق وكان نبيا وآدم بين الماء والطين وقد تلقى الأنبياء منه من وراء حجاب الأرحام والأصلاب وظهروا إذ كان محتجبا ظهور الكواكب في الليل فلما بزغت شمس النبوة المطلقة من أفق الظهور غابوا ونسخت أحكامهم على نحو غيبوبة الكواكب وانمحاق أنوارها وأضوائها عند طلوع الشمس من تحت الحجاب منخلعة عن الجلباب وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ لعلمهم بجماله وجلاله والرجاء والخوف جناحا من يطير إلى حضرة القدس وروضة الأنس ومن عطل أحدهما تعطل عن الطيران وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ إلى قوله سبحانه وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا فيه إشارة إلى اختلاف مراتب تمكن الشيطان من إغواء بني آدم فمن كان منهم ضعيف الاستعداد استفزه واستخفه بصوته فأغواه بوسوسة وهمس بل هاجسة ولمة، ومن كان قوي الاستعداد فإن كان خالصا عن شوائب الغيرية أو عن شوائب الصفات النفسانية لم يتمكن من إغوائه وهذا هو المراد بقوله تعالى: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وإن لم يكن خالصا فإن كان منغمسا في الشواغل الحسية منهمكا في الأمور الدنيوية شاركه في أمواله وأولاده وحرضه على إشراكهم بالله تعالى في المحبة وسول له التمتع والتكاثر والتفاخر بهم ومناه الأماني الكاذبة وزين له الآمال الفارغة، وإن لم ينغمس فإن كان عالما بتسويلاته أجلب عليه بخيله ورجله أي مكر بأنواع الحيل وكاده بصنوف الفتن وأفتاه بأن تحصيل أنواع الحطام والملاذ من جملة مصالح المعاش وغره بعلمه وحمله على الإعجاب به وأمثال ذلك حتى أضله على علم، وإن لم يكن عالما بل كان عابدا متنسكا أغواه بالوعد وغره برؤية الطاعة وتزكية النفس وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ الآية قيل كرمهم تعالى بأن خلق أباهم آدم على صورة الرحمن وجعل لهم ذلك بحكم الوراثة وأن الولد سر أبيه وفضلهم على الكثير بأن جعل لهم من النعم ما يستغرق العد وجوز أن يقال: تكريمهم بأن بسط موائد الأنعام لهم وجعل من عداهم طفيليا، وتفضيلهم بما ذكر في التكريم أولا وفيه احتمالات أخر يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ أي نناديهم بنسبتهم إلى من كانوا يقتدون به في الدنيا لأنه المستعلى محبتهم إياه على سائر محباتهم فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ