مضارع ركن بكسر الكاف، وقيل: بفتحها أيضا وجعل ذلك من تداخل اللغتين إِذاً أي لو قاربت أن تركن إليهم أدنى ركنة لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ أي مضاعف الحياة وهو صفة محذوف والإضافة على معنى في أو للملابسة أي عذابا مضاعفا في الحياة، والمراد بها الحياة الدنيا لأنه المتبادر عند إطلاق لفظها وكذا يقال في قوله تعالى: وَضِعْفَ الْمَماتِ أي وعذابا ضعفا في الممات، والمراد به ما يشمل العذاب في القبر وبعد البعث، واستسهل بعض المحققين أن يكون التقدير من أول الأمر لأذقناك ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات وتكون الإضافة لامية والقرينة على تقدير العذاب لَأَذَقْناكَ والمعنى لو قاربت ما ذكرنا لنضاعفن لك العذاب المعجل للعصاة في الحياة الدنيا والعذاب المؤجل لهم بعد الموت.
وقيل المراد بالحياة حياة الآخرة وبعذاب الممات ما يكون في القبر وأمر الإضافة والتقدير على حاله، والمعنى لو قاربت لنضاعفن لك عذاب القبر وعذاب يوم القيامة المدخرين للعصاة، وفي هذه الشرطية إجلال عظيم بمكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتنبيه على أن الأقرب أشد خطرا وذلك أنه أوعد بضعف العذاب على مقاربة أدنى ركون وقد وضع عنا الركون ما لم يصدقه العمل، ونظير ذلك من وجه ما جاء في نسائه عليه الصلاة والسلام من قوله تعالى: يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ [الأحزاب: ٣٠] وذكر في وجه مضاعفة جزاء خطأ الخطير أنه يكون سببا لارتكاب غيره مثله والاحتجاج به فكأنه سن ذلك
وقد جاء «من سن سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة»
وعلى هذا يضاعف عذاب الخطير في خطئه أضعافا مضاعفة، ولا يلزم من إثبات الضعف الواحد نفي الضعف المتعدد، وقيل الضعف من أسماء العذاب وأنشدوا على ذلك قوله:
لمقتل مالك إذ بان مني ... أبيت الليل في ضعف أليم
وذكر بعضهم أن الضعف ليس من أسماء العذاب وضعا لكنه يعبر به عنه لكثرة وصف العذاب به كما في قوله تعالى: عَذاباً ضِعْفاً [الأعراف: ٣٨، ص: ٦١] وزعم أن ذلك مراد القائل والله تعالى أعلم، واللام في لَأَذَقْناكَ ولَاتَّخَذُوكَ لام القسم على ما نص عليه الحوفي، والماضي في الموضعين واقع موقع المضارع الدال عليه اللام، والنون على ما نص عليه أبو حيان وأشرنا إليه فيما سبق ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً يدفع العذاب أو يرفعه عنك،
روي عن قتادة أنه لما نزل قوله تعالى: وَإِنْ كادُوا إلى هنا قال صلّى الله عليه وسلّم: اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين
، وينبغي للمؤمن إذا تلا هذه الآية أن يجثو عندها ويتدبرها وأن يستشعر الخشية وازدياد التصلب في دين الله تعالى ويقول كما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم وَإِنْ كادُوا أي أهل مكة كما روي عن ابن عباس وقتادة وغيرهما لَيَسْتَفِزُّونَكَ ليزعجونك ويستخفونك بعداوتهم ومكرهم مِنَ الْأَرْضِ أي الأرض التي أنت فيها وهي أرض مكة لِيُخْرِجُوكَ أي ليتسببوا إلى خروجك مِنْها وكان هذا الاستفزاز بما فعلوا من حصره صلّى الله عليه وسلّم في الشعب والتضييق عليه عليه الصلاة والسلام ووقع ذلك بعد نزول الآية كما في البحر وصار سببا لخروجه صلّى الله عليه وسلّم مهاجرا.
وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ أي إن استفزوك فخرجت لا يبقون خِلافَكَ أي بعدك وبه قرأ عطاء بن رباح واستحسن أنها تفسير لا قراءة لمخالفتها سواد المصحف وأنشدوا:
عفت الديار خلافهم فكأنما ... بسط الشواطب بينهن حصيرا
وقرأ أهل الحجاز وأبو بكر وأبو عمرو «خلفك» بغير ألف والمعنى واحد واللفظان في الأصل من الظروف المكانية فتجوز فيهما واستعملا للزمان وقد اطرد إضافتهما كقبل وبعد إلى أسماء الأعيان على حذف مضاف يدل عليه ما قبله أي لا يلبثون خلف استفزازك وخروجك إِلَّا قَلِيلًا أي إلا زمانا قليلا، وجوز أن يكون التقدير إلا لبثا