وفي رواية أنه صلّى الله عليه وسلّم صلى ثمانيا جميعا وسبعا جميعا من غير خوف ولا سفر.
واختلف في تأويله فمنهم من أوله بأنه جمع بعذر المطر والجمع بسبب ذلك تقديما وتأخيرا مذهب الشافعي في القديم وتقديما فقط في الجديد بالشرط المذكور في كتبهم، وخص مالك جواز الجمع بالمطر في المغرب والعشاء، وهذا التأويل مشهور عن جماعة من الكبار المتقدمين وهو ضعيف لما في صحيح مسلم عنه أيضا جمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر، وكون المراد ولا مطر كثير لا يرتضيه ذو إنصاف قليل والشذوذ غير مسلم، ومنهم من أوله بأنه كان في غيم فصلى صلّى الله عليه وسلّم الظهر ثم انكشف الغيم وبان أن أول وقت العصر دخل فصلاها، وفيه أنه وإن كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر إلا أنه لا احتمال في المغرب والعشاء، ومنهم من أوله بأنه عليه الصلاة والسلام أخر الأولى إلى آخر وقتها فصلاها فيه فلما فرغ منها دخل وقت الثانية فصلاها فصارت الصورة صورة جمع، وفيه أنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل، ويرده أيضا ما صح عن عبد الله بن شقيق قال: خطبنا ابن عباس يوما بعد العصر حتى غربت الشمس وبدت النجوم وجعل الناس يقولون: الصلاة الصلاة فجاء رجل من بني تميم فجعل لا يفتر ولا ينثني الصلاة الصلاة فقال ابن عباس: أتعلمني بالسنة لا أم لك رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء قال عبد الله بن شقيق: فحاك في صدري من ذلك شيء فأتيت أبا هريرة فسألته فصدق مقالته، ومنهم من قال: هو محمول على الجمع بعذر المرض أو نحوه مما هو في معناه من الأعذار وهذا قول الإمام أحمد والقاضي حسين من الشافعية واختاره منهم الخطابي والمتولي والروياني.
وقال النووي: هو المختار في التأويل ومذهب جماعة من الأئمة جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن لا يتخذه عادة وهو قول ابن سيرين وأشهب من أصحاب مالك وحكاه الخطابي عن القفال الشاشي الكبير من أصحاب الإمام الشافعي، وعن أبي إسحق المروزي، وعن جماعة من أصحاب الحديث واختاره ابن المنذر ويؤيده ظاهر ما
صح عن ابن عباس ورواه مسلم أيضا أنه لما قال: جمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر قيل له: لم فعل ذلك؟ فقال: أراد أن لا يخرج أحدا من أمته وهو من الحرج
بمعنى المشقة فلم يعلله بمرض ولا غيره، ويعلم مما ذكرنا أن قول الترمذي في آخر كتابه ليس في كتابي حديث أجمعت الأمة على ترك العمل به إلا حديث ابن عباس في الجمع بالمدينة من غير خوف ولا مطر وحديث قتل شارب الخمر في المرة الرابعة ناشىء من عدم التتبع. نعم ما قاله في الحديث الثاني صحيح فقد صرحوا بأنه حديث منسوخ دل الإجماع على نسخه.
وقال ابن الهمام: إن حديث ابن عباس معارض بما
في مسلم من حديث ليلة التعريس أنه صلّى الله عليه وسلّم قال:«ليس في النوم تفريط إنما التفريط في اليقظة أن يؤخر الصلاة حتى يدخل وقت صلاة أخرى»
وللبحث في ذلك مجال.
ومذهب الإمام أبي حنيفة عدم جواز جمع صلاتي الظهر والعصر في وقت إحداهما والمغرب والعشاء كذلك مطلقا إلا بعرفات فيجمع فيها بين الظهر والعصر بسبب النسك وإلا بمزدلفة فيجمع فيها بين المغرب والعشاء بسبب ذلك أيضا واستدل بما استدل. وفي الصحيحين وسنن أبي داود وغيره ما لا يساعده على التخصيص، وأنت تعلم أن الاحتياط فيما ذهب إليه الإمام رضي الله تعالى عنه فالمحتاط لا يخرج صلاة الظهر مثلا عن وقتها المتيقن الذي لا خلاف فيه إلى وقت فيه خلاف، وقد صرح غير واحد بأنه إذا وقع التعارض يقدم الأحوط وتعارض الأخبار في هذا الفصل مما لا يخفى على المتتبع، هذا وزعم بعضهم أن المراد بالصلاة المأمور بإقامتها صلاة المغرب والتحديد المذكور بيان لمبدأ وقتها ومنتهاه على أن الغاية خارجة واستدل به على امتداده إلى غروب الشفق وهو خلاف ما