للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو البقاء، وإما على المفعول لتهجد كما جوزه الحوفي إذا كان بمعنى صل، وجعل الضمير المجرور للبعض المفهوم، أو للوقت المقدر أي فصل فيه نافلة لك عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ الذي يبلغك إلى كمالك اللائق بك من بعد الموت الأكبر لما انبعثت من الموت الأصغر بالصلاة والعبادة، فالمعنى على التعليل والتهوين لمشقة قيام الليل حتى زعم بعضهم أن عسى بمعنى كي، وهو وهم بل هي كما قال أهل المعاني للأطماع، ولما كان إطماع الكريم إنسانا بشيء ثم حرمانه منه غرورا والله عز وجل أجل وأكرم من أن يغر أحدا فيطمعه في شيء ثم لا يعطيه قالوا هي للوجوب منه تعالى مجده على معنى أن المطمع به يكون ولا بد للوعد، وقيل هي على بابها للترجي لكن يصرف إلى المخاطب أي لتكن على رجاء من أن يبعثك ربك مَقاماً مَحْمُوداً وهي تامة وأَنْ يَبْعَثَكَ فاعلها ورَبُّكَ فاعله ومَقاماً كما قال جمع منصوب على الظرفية إما على إضمار فعل الإقامة أو على تضمين الفعل المذكور ذلك أي عسى أن يبعثك فيقيمك مقاما أي في مقام، أو يقيمك في مقام محمود باعثا إذ لا يصح أن يعمل في مثل هذا الظرف إلا فعل فيه معنى الاستقرار خلافا للكسائي، واستظهر في البحر كونه معمولا ليبعثك، وهو مصدر من غير لفظ الفعل لأن نبعث بمعنى نقيم تقول أقيم من قبره، وبعث من قبره.

وجوز أبو البقاء وغيره كونه حالا بتقدير مضاف أي نبعثك ذا مقام، وقيل يجوز أن يكون مفعولا به ليبعثك على تضمينه معنى نعطيك، وجوز أبو حيان أن تكون عسى ناقصة ورَبُّكَ الفاعل على تقدير أن ينتصب مَقاماً بمحذوف لا يبعث لئلا يلزم الفصل بين العامل والمعمول بأجنبي، وتنكير مَقاماً للتعظيم، والمراد بذلك المقام مقام الشفاعة العظمى في فصل القضاء حيث لا أحد إلا وهو تحت لوائه صلّى الله عليه وسلّم

فقد أخرج البخاري وغيره عن ابن عمر قال:

«سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: إن الشمس لتدنو حتى يبلغ العرق نصف الأذن فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم فيقول لست بصاحب ذلك ثم موسى فيقول كذلك ثم محمد فيشفع فيقضي الله تعالى بين الخلق فيمشي حتى يأخذ بحلقة باب الجنة فيومئذ يبعثه الله تعالى مقاما محمودا يحمده أهل الجمع كلهم» .

وأخرج الترمذي وحسنه عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر ويبدي لواء الحمد ولا فخر وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر فيفزع الناس ثلاث فزعات فيأتون آدم فيقولون أنت أبونا فاشفع لنا إلى ربك فيقول إني أذنبت ذنبا أهبطت منه إلى الأرض ولكن ائتوا نوحا فيأتون نوحا فيقول إني دعوت على أهل الأرض دعوة فأهلكوا ولكن اذهبوا إلى إبراهيم فيأتون إبراهيم فيقول ائتوا موسى (١) فيقول إني قتلت نفسا ولكن ائتوا عيسى فيقول إني عبدت من دون الله تعالى ولكن ائتوا محمدا فيأتوني فأنطلق معهم فآخذ بحلقة باب الجنة فأقعقعها فيقال من هذا فأقول محمد فيفتحون لي ويقولون مرحبا فأخر ساجدا فيلهمني الله تعالى من الثناء والحمد والمجد فيقال ارفع رأسك سل تعط واشفع تشفع وقل يسمع لقولك فهو المقام المحمود الذي قال الله تعالى: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً.

وجاء في بعض الروايات أنه عليه الصلاة والسلام يسجد أربع سجدات

أي كسجود الصلاة كما هو الظاهر تحت العرش فيجاب لما فزعوا إليه، وذكر الغزالي في الدرة الفاخرة أن بين إتيانهم نبيا وإتيانهم ما بعده ألف سنة ولا أصل له كما قال الحافظ ابن حجر، وقيل هو مقام الشفاعة لأمته صلّى الله عليه وسلّم لما

أخرجه أحمد والترمذي والبيهقي في الدلائل


(١) قوله فيقول ائتوا موسى إلخ كذا في نسخة المؤلف
وعبارة صحيح الترمذي فيقول إني كذبت ثلاث كذبات ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما منها كذبة إلا ما حل بها عن دين الله ولكن ائتوا موسى فيأتون موسى فيقول إلخ

.

<<  <  ج: ص:  >  >>