القصص، نعم فيما ذكر نفع غير الشفاء من تلك الأدواء فهو رحمة وحينئذ يقال في الآية حذف أي ننزل من القرآن ما هو شفاء وما هو رحمة على معنى ننزل من القرآن آيات هي شفاء وآيات هي رحمة.
وفيه أن الريب غير مختص فيما يتعلق بالله عز وجل وبإمكان الحشر بل يكون أيضا في الرسالة وصدقه صلى الله عليه وسلّم في دعواها، وما من آية في القرآن إلا وهي مستقلة أو لها دخل في الشفاء من ذلك الداء لما فيها من الإعجاز وكذا ما من آية إلا وفيها نفع من جهة أخرى فكل آية رحمة كما أن كلها شفاء لكن كونه رحمة بالنسبة إلى كل واحد واحد من المؤمنين إذ كل مؤمن ينتفع به نوعا من الانتفاع وكونه شفاء بالفعل بالنسبة إلى من عرض له شيء من أدواء الريب وأسقام الوهم وليس كل المؤمنين كذلك، والقول بأن كلا كذلك في أول الإيمان غير مسلم ولا يحتاج إليه كما لا يخفى.
والإمام عمم شفائيته وقد أحسن فقال: هو شفاء للأمراض الروحانية وهي نوعان: اعتقادات باطلة وأخلاق مذمومة فلاشتماله على الدلائل الحقة الكاشفة عن المذاهب الباطلة في الإلهيات والنبوات والمعاد والقضاء والقدر المبينة لبطلانها يشفي عن النوع الأول من الأمراض ولاشتماله على تفاصيل الأخلاق المذمومة وتعريف ما فيها من المفاسد والإرشاد إلى الأخلاق الفاضلة والأعمال المحمودة يشفي عن النوع الآخر، والشفاء إشارة إلى التخلية والرحمة إشارة إلى التحلية ولأن الأولى أهم من الثانية قدم الشفاء على الرحمة فتأمل والله تعالى الموفق.
وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما «شفاء ورحمة» بنصبهما، قال أبو حيان: ويتخرج ذلك على أنهما حالان والخبر للمؤمنين والعامل في الحال ما في الجار والمجرور من الفعل، ونظير ذلك وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر: ٦٧] في قراءة نصب «مطويات» وقول الشاعر:
رهط ابن كوز محقبى أدراعهم ... فيهم ورهط ربيعة بن حذار
ثم قال: وتقديم الحال على العامل فيه من الظرف لا يجوز إلا عند الأخفش، ومن منع جعله منصوبا على إضمار أعني، وأنت تعلم أن من يجوز مجيء الحال من المبتدأ لا يحتاج إلى ذلك وَإِذا أَنْعَمْنا بالصحة والسعة ونحوهما عَلَى الْإِنْسانِ أي جنسه فيكفي في صحة الحكم وجوده في بعض الأفراد ولا يضر وجود نقيضه في البعض الآخر، وقيل المراد به الوليد بن المغيرة أَعْرَضَ عن ذكرنا كأنه مستغن عنا فضلا عن القيام بمواجب شكرنا وَنَأى بِجانِبِهِ لوى عطفه عن طاعتنا وولاها ظهره، وأصل معنى النأي البعد وهو تأكيد للإعراض بتصوير صورته فهو أوفى بتأدية المراد منه، ومثله يجوز عطفه لإيهام المغايرة بينهما وهو أبلغ من ترك العطف على ما بين في محله، على أن ما ذكره أهل المعاني من أن التأكيد يتعين فيه ترك العطف لكمال الاتصال غير مسلم، والجانب على ظاهره والمراد ترك ذلك، ويجوز أن يكون كناية عن الاستكبار فإن ثنى العطف من أفعال المستكبرين ولا يبعد أن يراد بالجانب النفس كما يقال جاء من جانب فلان كذا أي منه وهو كناية أيضا كما يعبر بالمقام والمجلس عن صاحبه، وقرأ ابن عامر برواية ابن ذكوان «وناء» هنا وفي [فصلت: ٥١] فقيل ذلك من باب القلب ووضع العين محل اللام كراء ووراء، وقيل لا قلب وناء بمعنى نهض كما في قوله:
حتى إذا ما التأمت مفاصله ... وناء في شق الشمال كاهله
أي نهض متوكئا على شماله، وفسر نهض هنا بأسرع والكلام على تقدير مضاف أي أسرع بصرف جانبه، وقيل: معناه تثاقل عن أداء الشكر فعل المعرض وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ من مرض أو فقر أو نازلة من النوازل كانَ