وقيل: استئناف- وعليه ابن الأنباري- ويجوز أن يكون حالا إما على مذهب من يجوز وقوع المضارع المثبت حالا مع الواو، وإما على تقدير مبتدأ أي وهم يكفرون، والتقييد بالحال حينئذ لإفادة بيان شناعة حالهم بأنهم متناقضون في إيمانهم لأن كفرهم بما وراءه حال الإيمان بالتوراة يستلزم عدم الإيمان به- وهذا أدخل في رد مقالتهم- ولهذا اختار هذا الوجه بعض الوجوه- ووراء- في الأصل مصدر لاشتقاق المواراة والتواري منه، والمزيد فرع المجرد إلا أنه لم يستعمل فعله المجرد أصلا ثم جعل ظرف مكان ويضاف إلى الفاعل فيراد به المفعول وإلى المفعول فيراد به الفاعل أعني الساتر، ولصدقه على الضدين- الخلف، والأمام- عد من الأضداد وليس موضوعا لهما، وفي الموازنة للأموي تصريح بأنه ليس منها وإنما هو من المواراة والاستتار فما استتر عنك فهو وراء- خلفا كان أو قداما- إذا لم تره فأما إذا رأيته فلا يكون وراءك. والمراد هنا بما بعده قاله قتادة- أو بما سواه- وبه فسر وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ [النساء: ٢٤] وأريد به القرآن كما عليه الجمهور. وقال الواحدي هو والإنجيل، واحتمال أن يراد بما وراءه باطن معاني ما أنزل عليهم التي هي وراء ألفاظها، وفيه إشعار بأن إيمانهم بظاهر اللفظ ليس بشيء إلا أن يراد بذلك الباطن القرآن ولا يخفى بعده.
وَهُوَ الْحَقُّ الضمير عائد لما وراءه حال منه، وقيل: من فاعل يكفرون والجملة الحالية المقترنة بالواو لا يلزم أن يعود منها ضمير إلى ذي الحال- كجاء زيد والشمس طالعة- وعلى فرض اللزوم ينزل وجود الضمير فيما هو من تتمتها منزلة وجوده فيها، والمعنى وهم مقارنون لحقيته أي عالمون بها وهو أبلغ في الذم من كفرهم بما هو حق في نفسه، والأول أولى لظهوره ولا تفوت تلك الأبلغية عليه أيضا إذ تعريف الحق للإشارة إلى أن المحكوم عليه مسلم الاتصاف به معروفة من قبيل- والدك العبد- فيفيد أن كفرهم به كان لمجرد العناد، وقيل: التعريف لزيادة التوبيخ والتجهيل بمعنى أنه خاصة الحق الذي يقارن تصديق كتابهم ولولا الحال أعني مُصَدِّقاً لم يستقم الحصر لأنه في مقابلة كتابهم وهو حق أيضا، وفيه أنه لا يستقيم ولو لوحظ الحال بناء على تخصيص ذي الضمير بالقرآن لأن الإنجيل حق مصدق للتوراة أيضا، نعم لو أريد بالحق الثابت المقابل للمنسوخ لاستقام الحصر مطلقا إلا أنه بعيد مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ حال مؤكدة لأن كتب الله تعالى يصدق بعضها بعضا، فالتصديق لازم لا ينتقل، وقد قررت مضمون الخبر لأنها كالاستدلال عليه، ولهذا تضمنت رد قولهم نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا حيث إن من لم يصدق بما وافق التوراة لم يصدق بها، واحتمال أن يراد مما معهم التوراة والإنجيل كما في البحر لأنهما أنزلا على بني إسرائيل وكلاهما غير مخالف للقرآن مخالف لما يقتضيه الذوق سباقا وسياقا.
قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ؟ أمر للنبي صلّى الله عليه وسلّم أن يقول ذلك تبكيتا لهم حيث قتلوا الأنبياء مع ادعاء الإيمان بالتوراة وهي لا تسوّغه، ويحتمل أن يكون أمرا لمن يريد جدالهم كائنا من كان والفاء جواب شرط مقدر أي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ «فلم» إلخ، و «ما» استفهامية حذفت ألفها لأجل- لام- الجر ويقف البزي في مثل ذلك بالهاء وغيره بغيرها، وإيراد صيغة المضارع مع الظرف الدال على المضي للدلالة على استمرارهم على القتل في الأزمنة الماضية، وقيل: لحكاية تلك الحال، والمراد بالقتل معناه الحقيقي وإسناده إلى الأخلاف المعاصرين له صلى الله تعالى عليه وسلم مع أن صدوره من الأسلاف مجاز للملابسة بين الفاعل الحقيقي وما أسند إليه، وهذا كما يقال لأهل قبيلة- أنتم قتلتم زيدا- إذا كان القاتل آباءهم، وقيل: القتل مجاز عن الرضا أو العزم عليه، ولا يخفى أن الاعتراض على الوجه الأول أقوى تبكيتا منه على الآخرين فتدبر، وفي إضافة أَنْبِياءَ إلى الاسم الكريم تشريف عظيم وإيذان بأنه كان ينبغي لمن جاء من عند الله تعالى أن يعظم وينصر لا أن يقتل إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ تكرير للاعتراض لتأكيد الإلزام وتشديد التهويل أي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فلم تقتلونهم وقد حذف من كل واحدة من الشرطيتين ما