الإيمان بها لا يأمر به فإذن لستم بمؤمنين، والملازمة بين الشرط والجزاء «على الأول» بالنظر إلى نفس الأمر، وإبطال الدعوى بلزوم التناقض «وعلى الثاني» تكون الملازمة بالنظر إلى حالهم من تعاطي القبائح مع ادعائهم الإيمان، والمؤمن من شأنه أن لا يتعاطى إلا ما يرخصه إيمانه، وإبطال التالي بالنظر إلى نفس الأمر- واستظهر بعضهم في هذا- ونظائره كون الجزاء معرفة السابق أي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ تعرفون أنه بئس المأمور به، وقيل: إِنْ نافية، وقيل: للتشكيك- وإليه يشير كلام الكشاف- وفيه أن المقصد إبطال دعوتهم بإبراز إيمانهم القطعي العدم منزلة ما لا قطع بعدمه للتبكيت والإلزام- لا للتشكيك- على أنه لم يعهد استعمال إِنْ لتشكيك السامع- كما نص عليه بعض المحققين- وقرأ الحسن ومسلم بن جندب- بهو إيمانكم- بضم الهاء ووصلها بواو قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ رد لدعوى أخرى لهم بعد رد دعوى- الإيمان بما أنزل عليهم- ولاختلاف الغرض لم يعطف أحدهما على الآخر مع ظهور المناسبة المصححة للذكر، والآية نزلت- فيما حكاه ابن الجوزي- عند ما قالت اليهود: إن الله تعالى لم يخلق الجنة إلا لإسرائيل وبنيه. وقال أبو العالية والربيع: سبب نزولها قولهم: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ [البقرة: ١١١] إلخ ونَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ [المائدة: ١٨] إلخ ولَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ [البقرة: ٨٠، آل عمران: ٢٤] إلخ، وروي مثله عن قتادة. والضمير في قُلْ إما للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم أو لمن يبغي إقامة الحجة عليهم، والمراد من الدَّارُ الْآخِرَةُ الجنة- وهو الشائع- واستحسن في البحر تقدير مضاف أي نعيم الدَّارُ الْآخِرَةُ.
عِنْدَ اللَّهِ أي في حكمه، وقيل: المراد- بالعندية- المكانة والمرتبة والشرف، وحملها- على عندية المكان- كما قيل به- احتمالا- بعيد خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ أي مخصوصة بكم كما تزعمون- والخالص- الذي لا يشوبه شيء، أو ما زال عنه شوبه، ونصب خالِصَةً على الحال من الدَّارُ الذي هو اسم كان ولَكُمُ خبرها قدم للاهتمام- أو لإفادة الحصر- وما بعده للتأكيد، هذا إن جوّز مجيء الحال من اسم كان وهو الأصح، ومن لم يجوّز بناء على أنه ليس بفاعل جعلها حالا من الضمير المستكن في الخبر، وقيل: خالِصَةً هو الخبر ولَكُمُ ظرف لغو لكان أو ل خالِصَةً ولا يخفى بعده- فإنه تقييد للحكم قبل مجيئه- ولا وجه لتقديم متعلق الخبر على الاسم مع لزوم توسط الظرف بين الاسم والخبر، وأبعد المهدوي، وابن عطية أيضا فجعلا خالِصَةً حالا وعِنْدَ اللَّهِ هو الخبر، مع أن الكلام لا يستقل به وحده. ودُونِ هنا للاختصاص وقطع الشركة، يقال: هذا لي دونك، وأنت تريد لا حق لك فيه معي ولا نصيب، وهو متعلق ب خالِصَةً والمراد ب النَّاسِ الجنس وهو الظاهر، وقيل: المراد بهم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم والمسلمون، وقيل: النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وحده- قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما- قالوا: ويطلق النَّاسِ ويراد به الرجل الواحد، ولعله لا يكون إلا مجازا بتنزيل الواحد منزلة الجماعة فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في أن الجنة خالِصَةً لكم، فإن من أيقن أنه من أهل الجنة اختار أن ينتقل إلى دار القرار، وأحب أن يخلص من المقام في دار الأكدار، كما
روي عن عليّ كرم الله تعالى وجهه أنه كان يطوف بين الصفين في غلالة، فقال له الحسن: ما هذا بزي المحاربين، فقال: يا بني- لا يبالي أبوك سقط على الموت، أم سقط عليه الموت-
وكان عبد الله بن رواحة ينشد وهو يقاتل الروم:
يا حبذا الجنة واقترابها ... طيبة وبارد شرابها
والروم روم قد دنا عذابها
وقال عمار بصفين: غدا نلقى الأحبة، محمدا وصحبه. وروي عن حذيفة أنه كان يتمنى الموت، فلما احتضر قال: حبيب جاء على فاقة.
وعنه صلى الله تعالى عليه وسلم أنه لما بلغه قتل من قتل ببئر معونة قال:«يا ليتني غودرت معهم في لحف الجبل»
ويعلم من ذلك أن تمني الموت لأجل الاشتياق إلى دار النعيم ولقاء الكريم غير منهي عنه، إنما