[التوبة: ٢٥] وفيه بحث، وجوز أن يكون حالا من الكتاب، واعترض بأنه يلزم حينئذ العطف قبل تمام الصلة لأن الحال بمنزلة جزء منها، وأجيب بأنه يجوز أن يجعل وَلَمْ يَجْعَلْ إلخ من تتمة الصلة الأولى على أنه عطف بياني حيث قال تعالى أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ الكامل في بابه عقبه بقوله سبحانه وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً فحينئذ لا يكون الفصل قبل تمام الصلة، وهو نظير قوله تعالى وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ [البقرة: ٢١٧] على قول. وأيضا يجوز أن يكون الواو في وَلَمْ يَجْعَلْ للحال والجملة بعده حال من الْكِتابَ كقيما واختاره الأصبهاني.
وقال أبو حيان: إن ذاك على مذهب من يجوز وقوع حالين من ذي حال واحد بغير عطف وكثير من أصحابنا على منعه، وقال آخر: إن قياس قول الفارسي في الخبر أنه لا يتعدد مختلفا بالإفراد والجملية أن يكون الحال كذلك.
وأجيب بأنه غير وارد إذ ما ذكره الفارسي خلاف مذهب الجمهور مع أنه قياس مع الفارق فلا يسمع، وكذا ما ذكره أبو حيان عن الكثير خلاف المعول عليه عند الأكثر، نعم فرارا من القيل والقال جعل بعضهم الواو للاعتراض والجملة اعتراضية، وفي الكلام تقديم وتأخير والأصل الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب قيما ولم يجعل له عوجا، وروي القول بالتقديم والتأخير عن ابن عباس ومجاهد، وذكر السمين أن ابن عباس حيث وقعت جملة معترضة في النظم يجعلها مقدمة من تأخير، ووجه ذلك بأنها وقعت بين لفظين مرتبطين فهي في قوة الخروج من بينهما، ولما كان قَيِّماً يفيد استقامة ذاتية أو ثابتة لكونه صفة مشبهة وصيغة مبالغة، وما من شيء كذلك إلا وقد يتوهم فيه أدنى عوج ذكر قوله تعالى: وَلَمْ يَجْعَلْ إلخ للاحتراس، وقدم للاهتمام كما في قوله:
ألا يا اسلمي يا دار مي على البلا ... ولا زال منهلا بجرعائك القطر
ومن هنا يعلم أن تفسير القيم بالمستقيم بالمعنى المتبادر، وأن قول الزمخشري فائدة الجمع بينه وبين نفي العوج التأكيد فرب مستقيم مشهود له بالاستقامة ولا يخلو من أدنى عوج عند السبر والتصفح غير ذي عوج عند السبر والتصفح، وأنه لا يرد قول الإمام إن قوله تعالى: لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً يدل على كونه مكملا في ذاته، وقوله سبحانه:
قَيِّماً يدل على كونه مكملا لغيره، فثبت بالبرهان العقلي أن الترتيب الصحيح كما ذكره الله تعالى وأن ما ذكروه من التقديم والتأخير فاسد يمتنع العقل من الذهاب إليه انتهى.
ولعمري أن هذا الكلام لا ينبغي من الإمام إن صح عنده أن القول المذكور مروي عن ابن عباس ومجاهد، فإن الأول ترجمان القرآن وناهيك به جلالة ومعرفة بدقائق اللسان، وقد قيل في الثاني إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك، وقال صاحب حل العقد: يمكن أن يكون قيما بدلا من قوله تعالى: وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قال أبو حيان:
ويكون حينئذ بدل مفرد من جملة كما قالوا في عرفت زيدا أبو من هو إنه بدل جملة من مفرد، وفي جواز ذلك خلاف، هذا وزعم بعضهم أن ضمير لَهُ عائد على عَبْدِهِ وحينئذ لا يتأتى جميع التخاريج الإعرابية السابقة، وقرأ أبان بن ثعلب «قيما» بكسر القاف وفتح الياء المخففة، وفي بعض مصاحف الصحابة «ولم يجعل له عوجا لكنه قيما» وحمل ذلك على أنه تفسير لا قراءة لِيُنْذِرَ متعلق بانزل واللام للتعليل، واستدل به من قال بتعليل أفعال الله تعالى بالأغراض كالسلف والماتريدية، ومن يأبى ذلك يجعلها لام العاقبة، وزعم الحوفي أنه متعلق بقيما وليس بقيم، والفاعل ضمير الجلالة، وكذا في الفعلين المعطوفين عليه، وجوز أن يكون الفاعل في الكل ضمير الكتاب أو ضميره صلّى الله عليه وسلّم، وأنذر يتعدى لمفعولين قال تعالى: نْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً
[النبأ: ٤٠] وحذف هنا المفعول الأول واقتصر على الثاني، وهو قوله تعالى: بَأْساً شَدِيداً إيذانا بأن ما سيق له الكلام هو المفعول الثاني، وأن الأول ظاهر لا حاجة إلى