يشاء ويثبت، ويعلم مما ذكر اندفاع ما قيل: إن التبديل واقع لقوله تعالى: وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً [النحل: ١٠١] ، والظاهر عموم الكلمات الأخبار وغيرها، ومن هنا قال الطبرسي: المعنى لا مغير لما أخبر به تعالى ولا لما أمر والكلام على حذف مضاف أي لا مبدل لحكم كلماته انتهى، لكن أنت تعلم أن الخبر لا يقبل التبديل أي النسخ فلا تتعلق به الإرادة حتى تتعلق به القدرة لئلا يلزم الكذب المستحيل عليه عز شأنه. ومنهم من خص الكلمات بالإخبار لأن المقام للإخبار عن قصة أصحاب الكهف وعليه لا يحتاج إلى تخصيص النكرة المنفية لما سمعت من حال الخبر، وقول الإمام: إن النسخ في الحقيقة ليس بتبديل لأن المنسوخ ثابت في وقته إلى وقت طريان الناسخ فالناسخ كالمغاير فكيف يكون تبديلا توهم لا يقتدى به.
ومن الناس من خص الكلمات بمواعيده تعالى لعباده الموحدين فكأنه قيل اتل ما أوحي إليك ولا تبال بالكفرة المعاندين فإنه قد تضمن من وعد الموحدين ما تضمن ولا مبدل لذلك الوعد، ومآله اتل ولا تبال فإن الله تعالى ناصرك وناصر أصحابك وهو كما ترى وإن كان أشد مناسبة لما بعد، والضمير على ما يظهر من مجمع البيان للكتاب، ويجوز أن يكون للرب تعالى كما هو الظاهر في الضمير في قوله سبحانه:
وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً أي ملجأ تعدل إليه عند إلمام ملمة، وقال الإمام في البيان والإرشاد: وأصله من الالتحاد بمعنى الميل، وجوز الراغب فيه أن يكون اسم مكان وأن يكون مصدرا، وفسره ابن عباس رضي الله تعالى عنهما هنا بالمدخل في الأرض وأنشد عليه حين سأله نافع بن الأرزق قول خصيب الضمري:
يا لهف نفسي ولهف غير مجدية ... عني وما عن قضاء الله ملتحد
ولا داعي فيه لتفسيره بالمدخل في الأرض ليلتجأ إليه، ثم إذا كان المعنى بالخطاب سيد المخاطبين صلّى الله عليه وسلّم فالكلام مبني على الفرض والتقدير إذ هو عليه الصلاة والسلام بل خلص أمته لا تحدثهم أنفسهم بطلب ملجأ غيره تعالى، نسأله سبحانه أن يجعلنا ممن التجأ إليه وعول في جميع أموره عليه فكفاه جل وعلا ما أهمه وكشف عنه غياهب كل غمه.
هذا «ومن باب الإشارة في الآيات» الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ قد تقدم أن مقام العبودية لا يشابهه مقام ولا يدانيه ونبينا صلّى الله عليه وسلّم في أعلى مراقيه، وقد ذكر أن العبد الحقيقي من كان حرا عن الكونين وليس ذاك إلا سيدهما صلّى الله عليه وسلّم وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً قد تقدم في التفسير أن الضمير المجرور عائد على الْكِتابَ وجعله بعض أهل التأويل عائدا على عَبْدِهِ أي لم يجعل له عليه الصلاة والسلام انحرافا عن جنابه وميلا إلى ما سواه وجعله مستقيما في عبوديته سبحانه، وجعل الأمر في قوله تعالى: فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ أمر تكوين لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وهو بأس الحجاب والبعد عن الجناب وذلك أشد العذاب كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين: ١٥] وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ [الإسراء: ٩] وهي الأعمال التي أريد بها وجه الله تعالى لا غير، وقيل العمل الصالح التبري من الوجود بوجود الحق أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً وهي رؤية المولى ومشاهدة الحق بلا حجاب فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً فيه إشارة إلى مزيد شفقته صلّى الله عليه وسلّم واهتمامه وحرصه على موافقة المخالفين وانتظامهم في سلك الموافقين إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ من الأنهار والأشجار والجبال والمعادن والحيوانات زِينَةً لَها أي لأهلها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا فيجعل ذلك مرآة لمشاهدة أنوار جلاله وجماله سبحانه عز وجل، وقال ابن عطاء: حسن العمل الإعراض عن الكل، وقال الجنيد: حسن