معنى نبا وعلا في قولك: نبت عنه عينه وعلت عنه عينه إذا اقتحمته ولم تعلق به، وهو الذي ذهب إليه الزمخشري ثم قال: لم يقل ولا تعدهم عيناك أو ولا تعل عيناك عنهم وارتكب التضمين ليعطي الكلام مجموع معنيين وذلك أقوى من إعطاء معنى فذ ألا ترى كيف رجع المعنى إلى قولك: ولا تقحمهم عيناك مجاوزتين إلى غيرهم، وتعقبه أبو حيان بأن التضمين لا ينقاس عند البصريين وإنما يذهب إليه عند الضرورة، أما إذا أمكن إجراء اللفظ على مدلوله الوضعي فإنه يكون أولى، واعترض أيضا ما قيل: بأنه لا يلزم من اتحاد الفعلين في المعنى اتحادهما في التعدية فلا يلزم من كون عدا بمعنى تجاوز أن يتعدى كما يتعدى ليقال: إن التجاوز لا يتعدى بعن إلا إذا كان بمعنى العفو وهو غير مراد، فلا بد من تضمين عدا معنى فعل متعد بعن، ويكفي كلام القاموس مستندا لمن خالف الزمخشري فتدبر ولا تغفل.
وقرأ الحسن «ولا تعد عينيك» بضم التاء وسكون العين وكسر الدال المخففة من أعداه ونصب العينين، وعنه وعن عيسى والأعمش أنهم قرؤوا «ولا تعد عينيك» بضم التاء وفتح العين وتشديد الدال المكسورة من عداه يعديه ونصب العينين أيضا، وجعل الزمخشري، وصاحب اللوامح الهمزة والتضعيف للتعدية.
وتعقب ذلك في البحر بأنه ليس بجيد بل الهمزة والتضعيف في هذه الكلمة لموافقة أفعل وفعل للفعل المجرد وذلك لأنه قد أقر الزمخشري بأنها قبل ذينك الأمرين متعدية بنفسها إلى واحد وعديت بعن للتضمين فمتى كان الأمران للتعدية لزم أن تتعدى إلى اثنين مع أنها لم تتعد في القراءتين المذكورتين إليهما.
تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا أي تطلب مجالسة من لم يكن مثلهم من الأغنياء وأصحاب الدنيا، والجملة على القراءة المتواترة حال من كاف عَيْناكَ وجازت الحال منه لأنه جزء المضاف إليه، والعامل على ما قيل معنى الإضافة وليس بشيء.
وقال في الكشف: العامل الفعل السابق كما تقرر في قوله تعالى بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً [البقرة: ١٣٥] ولك أن تقول: هاهنا خاصة العين مقحمة للتأكيد ولا يبعد أن يجعل حالا من الفاعل، وتوحيد الضمير إما لاتحاد الإحساس أو للتنبيه على مكان الإقحام أو للاكتفاء بأحدهما عن الآخر أو لأنهما عضو واحد في الحقيقة، واستبشاع إسناد الإرادة إلى العين مندفع بأن إرادتها كناية عن إرادة صاحبها ألا ترى إلى ما شاع من نحو قولهم: يستلذه العين أو السمع وإنما المستلذ الشخص على أن الإرادة يمكن جعلها مجازا عن النظر للهو لا للعبر اه.
ولا يخفى أن فيه عدولا عن الظاهر من غير داع، وقول بعضهم: إنه لا يجوز مجيء الحال من المضاف إليه في مثل هذا الموضع لاختلاف العامل في الحال وذيها لا يصلح داعيا لظهور ضعفه، ثم الظاهر أنه لا فرق في جواز كون الجملة حالا من المضاف إليه أو المضاف على تقدير أن يفسر تَعْدُ بتجاوز وتقدير أن تفسر بتصرف.
وخص بعضهم كونها حالا من المضاف إليه على التقدير الأول وكونها حالا من المضاف على التقدير الثاني ولعله أمر استحساني، وذلك لأن في أول الكلام على التقدير الثاني إسناد ما هو من الأفعال الاختيارية ليس إلا وهو الصرف إلى العين فناسب إسناد الإرادة إليها في آخره ليكون أول الكلام وآخره على طرز واحد مع رعاية ما هو الأكثر في أحوال الأحوال من مجيئها من المضاف دون المضاف إليه، وتضمن ذلك عدم مواجهة الحبيب صلّى الله عليه وسلّم بإسناد إرادة الحياة الدنيا إليه صريحا وإن كانت مصب النهي، وليس في أول الكلام ذلك على التقدير الأول إذ الظاهر أن التجاوز ليس من الأفعال الاختيارية لا غير بل يتصف به المختار وغيره، مع أن في جعل الجملة حالا من الفاعل على هذا التقدير مع قول بعض المحققين إن المتجاوز في الحقيقة هو النظر احتياجا إلى اعتبار الشيء وتركه في كلام واحد، وليس لك أن تجعله استخداما بأن تريد من العينين أولا النظر مجازا وتريد عند عود ضمير تُرِيدُ منهما الحقيقة لأن