للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عدم المبالاة بكفرهم وقلة الاهتمام بشأنهم، وأَعْتَدْنا من العتاد وهو في الأصل ادخار الشيء قبل الحاجة إليه، وقيل: أصله أعددنا فأبدل من إحدى الدالين تاء والمعنى واحد أي هيأنا لهم ناراً عظيمة عجيبة أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها أي فسطاطها، شبه به ما يحيط بهم من لهبها المنتشر منها في الجهات ثم استعير له استعارة مصرحة والإضافة قرينة والإحاطة ترشيح، وقيل: السرادق الحجزة التي تكون حول الفسطاط تمنع من الوصول إليه، ويطلق على الدخان المرتفع المحيط بالشيء وحمل عليه بعضهم ما في الآية وهو أيضا مجاز كإطلاقه على اللهب، وكلام القاموس يوهم أنه حقيقة، والمروي عن قتادة تفسيره بمجموع الأمرين اللهب والدخان.

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس أنه حائط من نار، وحكى الكلبي أنه عنق يخرج من النار فيحيط بالكفار، وحكى القاضي الماوردي أنه البحر المحيط بالدنيا يكون يوم القيامة نارا ويحيط بهم، واحتج له

بما أخرجه أحمد والبخاري في التاريخ وابن أبي حاتم وصححه والبيهقي في البعث وآخرون عن يعلى بن أمية أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن البحر هو من جهنم ثم تلا ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها

والسرادق قال الراغب: فارسي معرب وليس من كلامهم اسم مفرد ثالثه ألف وبعده حرفان انتهى، وقد أصاب في دعوى التعريب فإن عامة اللغويين على ذلك، وأما قوله: وليس من كلامهم إلخ فيكذبه ورود علابط وقرامص وجنادف وحلاحل وكلها بزنة سرادق ومثل ذلك كثير والغفلة مع تلك الكثرة من هذا الفاضل بعيدة فلينظر ما مراده، ثم إنه معرب سرايرده أي ستر الديوان، وقيل: سراطاق أي طاق الديوان وهو أقرب لفظا إلا أن الطاق معرب أيضا وأصله تا أو تاك، وقال أبو حيان وغيره: معرب سرادر وهو الدهليز ووقع في بيت الفرزدق:

تمنيتهم حتى إذا ما لقيتهم ... تركت لهم قبل الضراب السرادقا

ويجمع كما قال سيبويه بالألف والتاء وإن كان مذكرا فيقال سرادقات، وفسره في النهاية بكل ما أحاط بموضع من حائط أو مضرب أو خباء، وأمر إطلاقه على اللهب أو الدخان أو غيرهما مما ذكر على هذا ظاهر.

وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا من العطش بقرينة قوله تعالى: يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ وقيل: مما حل بهم من أنواع العذاب، والمهل على ما أخرج ابن جرير وغيره عن ابن عباس وابن جبير ماء غليظ كدردي الزيت، وفيه حديث مرفوع فقد أخرج أحمد والترمذي وابن حبان والحاكم وصحصحه والبيهقي وآخرون

عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في قوله تعالى: كَالْمُهْلِ قال: كعكر الزيت فإذا قرب إليه سقطت فروة وجهه فيه

، وقال غير واحد: هو ما أذيب من جواهر الأرض، وقيل: ما أذيب من النحاس، وأخرج الطبراني وابن المنذر وابن جرير عن ابن مسعود أنه سئل عنه فدعا بذهب وفضة فإذا به فلما ذاب قال: هذا أشبه شيء بالمهل الذي هو شراب أهل النار لونه لون السماء غير أن شراب أهل النار أشد حرا من هذا.

وأخرج ابن أبي حاتم وغيره عن مجاهد أنه القيح والدم الأسود، وقيل: هو ضرب من القطران، وقوله سبحانه:

يُغاثُوا إلخ خارج مخرج التهكم بهم كقول بشر بن أبي حازم:

غضبت تميم (١) أن تقتل عامرا ... يوم النسار فأعتبوا بالصيلم

يَشْوِي الْوُجُوهَ ينضجها إذا قدم ليشرب من فرط حرارته حتى أنه يسقط جلودها كما سمعت في الحديث، فالوجوه جمع وجه وهو العضو المعروف، والظاهر أنه المراد لا غير، وقيل: عبر بالوجوه عن جميع أبدانهم والجملة صفة ثانية لماء والأولى كَالْمُهْلِ أو حال منه كما في البحر لأنه قد وصف أو حال من المهل كما قال أبو البقاء.


(١) في نسخة حنيفة اه منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>