أي لا تؤاخذني بالذي أو بشيء نسيته وهو الوصية لكن يحتاج هذا ظاهرا إلى تقدير مضاف أي بترك ما نسيته لأن المؤاخذة بترك الوصية أي ترك العمل بها لا بنفس الوصية.
وقيل قد لا يحتاج إلى تقدير المضاف فإن الوصية سبب للمؤاخذة إذ لولاها لم يكن ترك العمل ولا المؤاخذة، ونظير ذلك ما قيل في قوله تعالى: فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ [الكهف: ٥٠] ثم كون ما ذكر اعتذارا بنسيان الوصية هو الظاهر وقد صح في البخاري أن المرة الأولى كانت نسيانا.
وزعم بعضهم أنه يحتمل أنه عليه السّلام لم ينس الوصية وإنما نهى عن مؤاخذته بالنسيان موهما أن ما صدر منه كان عن نسيانها مع أنه إنما عنى نسيان شيء آخر، وهذا من معاريض الكلام التي يتقي بها الكذب مع التوسل إلى الغرض كقول إبراهيم عليه السّلام: هذه أختي وإني سقيم، وروى هذا ابن جرير عن أبي بن كعب وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
وجوز أن يكون النسيان مجازا عن الترك أي لا تؤاخذني بما تركت من وصيتك أول مرة وَلا تُرْهِقْنِي لا تغشني ولا تحملني مِنْ أَمْرِي وهو اتباعه إياه عُسْراً أي صعوبة وهو مفعول ثان لترهقني، والمراد لا تعسر علي متابعتك ويسرها علي بالإغضاء وترك المناقشة، وقرأ أبو جعفر «عسرا» بضمتين فَانْطَلَقا الفاء فصيحة أي فقبل عذره فخرجا من السفينة فانطلقا يمشيان على الساحل كما في الصحيح، وفي رواية أنهما مرا بقرية حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً يزعمون كما قال البخاري أن اسمه جيسور بالجيم وروي بالحاء، وقيل اسمه جنبتور وقيل غير ذلك، وصح أنه كان يلعب مع الغلمان وكانوا على ما قيل عشرة وأنه لم يكن فيهم أحسن ولا أنظف منه فأخذه فَقَتَلَهُ
أخرج البخاري في رواية أنه عليه السّلام أخذ برأسه من أعلاه فاقتلعه بيده
،
وفي رواية أخرى أنه أخذه فأضجعه ثم ذبحه بالسكين
، وقيل ضرب رأسه بالجدار حتى قتله، وقيل رضه بحجر، وقيل ضربه برجله فقتله، وقيل أدخل أصبعه في سرته فاقتلعها فمات، وجمع بين الروايات الثلاثة الأول بأنه ضرب رأسه بالجدار أولا ثم أضجعه وذبحه ثم اقتلع رأسه، وربما يجمع بين الكل وفي كلا الجمعين بعد، والظاهر أن الغلام لم يكن بالغا لأنه حقيقة الغلام الشائعة في الاستعمال وإلى ذلك ذهب الجمهور، وقيل كان بالغا شابا، وقد أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن عبد العزيز أنه كان ابن عشرين سنة، والعرب تبقي على الشاب اسم الغلام، ومنه قول ليلى الأخيلية في الحجاج:
شفاها من الداء الذي قد أصابها ... غلام إذا هز القناة سقاها
وقوله:
تلق ذباب السيف عني فإنني ... غلام إذا هو جيت لست بشاعر
وقيل هو حقيقة في البالغ لأن أصله من الاغتلام وهو شدة الشبق وذلك إنما يكون فيمن بلغ الحلم، وإطلاقه على الصبي الصغير تجوز من باب تسمية الشيء باسم ما يؤول إليه، ويؤيد قول الأولين قوله تعالى قالَ أي موسى عليه السّلام أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً أي طاهرة من الذنوب فإن البالغ قلما يزكو من الذنوب.
وقد جاء في حديث عن ابن جبير عن ابن عباس مرفوعا تفسير زكية بصغيرة
وهو تفسير باللازم، ومن قال كان بالغا قال: وصفه عليه السّلام بذلك لأنه لم يره أذنب فهو وصف ناشىء من حسن الظن، واستدل على كونه بالغا بقوله تعالى: بِغَيْرِ نَفْسٍ أي بغير حق قصاص لك عليها وأجاب النووي والكرماني بأن المراد التنبيه على أنه قتله بغير حق إلا أنه خص حق القصاص بالنفي لأنه الأنسب بمقام القتل أو أن شرعهم كان إيجاب القصاص على الصبي، وقد نقل المحدثون كالبيهقي في كتاب المعرفة أنه كان في شرعنا كذلك قبل الهجرة.
وقال السبكي: قبل أحد ثم نسخ، والجار والمجرور- قال أبو البقاء- متعلق بقتلت كأنه قيل أي قتلت نفسا بلا