للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سوء صنيع من الآباء عن حق الضيف مع طلبه وللبقاع تأثير في الطباع ولم يهم فيها مع أنها حرية بالإفساد والإضاعة بل باشر الإصلاح لمجرد الطاعة ولم يعبأ عليه السّلام بفعل أهلها اللئام، وينضاف إلى ذلك من الفوائد أن الأهل الثاني يحتمل أن يكونوا هم الأولون أو غيرهم أو منهم ومن غيرهم، والغالب أن من أتى قرية لا يجد جملة أهلها دفعة بل يقع بصره أولا على البعض ثم قد يستقريهم فلعل هذين العبدين الصالحين لما أتيا قدر الله تعالى لهما استقراء الجميع على التدريج ليتبين به كمال رحمته سبحانه وعدم مؤاخذته تعالى بسوء صنيع بعض عباده، ولو قيل استطعماهم تعين إرادة الأولين فأتى بالظاهر إشعارا بتأكيد العموم فيه وأنهما لم يتركا أحدا من أهلها حتى استطعماه وأبى ومع ذلك قوبلوا بأحسن الجزاء، فانظر إلى هذه الأسرار كيف احتجبت عن كثير من المفسرين تحت الأستار حتى أن بعضهم لم يتعرض لشيء، وبعضهم ادعى أن ذلك تأكيد، وآخر زعم ما لا يعول عليه حتى سمعت عن شخص أنه قال: إن العدول عن استطعماهم لأن اجتماع الضميرين في كلمة واحدة مستثقل وهو قول يحكى ليرد فإن القرآن والكلام الفصيح مملوء من ذلك ومنه ما يأتي في الآية، ومن تمام الكلام فيما ذكر أن استطعما إن جعل جوابا فهو متأخر عن الإتيان وإذا جعل صفة احتمل أن يكون الإتيان قد اتفق قبل هذه المرة وذكر تعريفا وتنبيها على أنه لم يحملهما على عدم الإتيان لقصد الخير فهذا ما فتح الله تعالى علي والشعر يضيق عن الجواب وقد قلت:

لأسرار آيات الكتاب معاني ... تدق فلا تبدو لكل معاني

وفيها لمرتاض لبيب عجائب ... سنا برقها يعنو له القمران

إذا بارق منها لقلبي قد بدا ... هممت قرير العين بالطيران

سرورا وإبهاجا وصولا على العلا ... كأني علا فوق السماك مكاني

فما الملك والأقران ما البيض ما القنا ... وعندي وجوه أسفرت بتهاني

وهاتيك منها قد أبحتك سرها ... فشكرا لمن أولاك حسن بياني

أرى استطعما وصفا على قرية جرى ... وليس لها (١) والنحو كالميزان

صناعته تقضي بأن استتار ما ... يعود عليه ليس في الإمكان

وليس جوابا لا ولا صف أهلها ... فلا وجه للإضمار والكتمان

وهذي ثلاث ما سواها بممكن ... تعين منها واحد فسباني

ورضت بها فكري إلى أن تمخضت ... به زبدة الأحقاب منذ زمان

وإن حياتي في تموج أبحر ... من العلم في قلبي يمد لساني

إلى آخر ما تحمس به، وفيه من المناقشة ما فيه. وقد اعترض بعضهم بأنه على تقدير كون الجملة صفة للقرية يمكن أن يؤتى بتركيب أخصر مما ذكر بأن يقال: فلما أتيا قرية استطعما أهلها فما الداعي إلى ذكر الأهل أولا على هذا التقدير، وأجيب بأنه جيء بالأهل للإشارة إلى أنهم قصدوا بالإتيان في قريتهم وسألوا فمنعوا ولا شك أن هذا أبلغ في اللؤم وأبعد عن صدور جميل في حق أحد منهم فيكون صدور ما صدر من الخضر عليه السّلام غريبا جدا، لا يقال:

ليكن التركيب كذلك وليكن على الإرادة الأهل تقديرا أو تجوزا كما في قوله تعالى: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف: ٨٢] لأنا نقول: إن الإتيان ينسب للمكان كأتيت عرفات ولمن فيه كأتيت أهل بغداد فلو لم يذكر كان فيه تفويتا


(١) أي صفة جرت على غير من هي له اه منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>