وذكروا أنه كان شديد الوطأة كثير الغزو فمله قومه فأغروا ابنه حسان على قتله فقتله، ولا يخفى أن كلا هذين الشخصين لا يصح أن يكون المراد بذي القرنين الذي ذكر أنه لقي إبراهيم عليه السّلام أما الأول فلأنهم ذكروا أنه ملك بعد ياسر ينعم بن عمرو وملك ياسر بعد بلقيس زوجة سليمان عليه السّلام وكان عمها فكيف يتصور أن يكون هذا ذاك مع بعد زمان ما بين إبراهيم وسليمان عليهما السّلام. وأما الثاني فلأنه بعد هذا بكثير مع أنه لم يطلق عليه أحد ذا القرنين ولا نسب إليه غزوا في مشارق الأرض ومغاربها ورأيت في بعض الكتب أن في زمن منوجهر بن ايرج بن أفريدون بعث موسى عليه السّلام وكان ملك اليمن في زمانه شمر أبا الملوك وكان في طاعته انتهى، وعليه أيضا لا يمكن أن يكون شمر هذا هو ذا القرنين السابق وهو ظاهر وإذا أسقطت جميع هذه الأقوال عن الاعتبار بناء على ما قيل إن أخبار ملوك اليمن مضطربة لا يكاد يوقف على روايتين متفقين فيها واعتبرت القول بأنه كان في زمن إبراهيم عليه السّلام ملك منهم هو ذو القرنين بناء على حسن الظن بقائل ذلك أشكل الأمر من وجه آخر وهو أن كتب التواريخ قاطبة ناطقة بأن فريدون كان في زمان إبراهيم عليه السّلام وأنه قسم المعمورة بين بنيه الثلاثة حسبما تقدم فكيف يتسنى مع هذا القول بأن ذا القرنين رجل من ملوك اليمن كان في ذلك الزمان أيضا، ويجيء نحو هذا الإشكال إذا قلنا إن ذا القرنين هو أحد الإسكندرين اليوناني والرومي وقلنا بأنه كان في زمن إبراهيم عليه السّلام أيضا، والحاصل أن القول بأن فريدون كان في ذلك الزمان وكان مالكا المعمورة كما في عامة تواريخ الفرس يمنع القول بأن ذا القرنين في ذلك الزمان غيره بل القول بوجود أحد الثلاثة من فريدون وذي القرنين التبعي وأحد الإسكندرين في ذلك الزمان وملكه المعمورة يمنع من القول بوجود غيره منهم في ذلك الزمان وملكه المعمورة أيضا، واستشكل كون ذي القرنين أيا كان من هؤلاء الثلاثة في زمان إبراهيم عليه السّلام بأن نمرود كان في زمانه أيضا، وقد جاء ملك الدنيا مؤمنان وكافران أما المؤمنان فسليمان عليه السّلام وذو القرنين وأما الكافران فنمرود وبختنصر ولا مخلص من ذلك على تقدير صحة الخبر إلا بأن يقال كان زمان إبراهيم عليه السّلام ممتدا ووقع ملكهما الدنيا متعاقبا وهو كما ترى.
ورأيت في بعض الكتب القول بأن ذا القرنين ملك نمرود وينحل به الإشكال. وقال بعضهم: الذي تقتضيه كتب التواريخ عدم صحة الخبر أو تأويله إذ ليس في شيء منها عموم ملك سليمان عليه السّلام أو ملك نمرود أو بختنصر والظاهر عدم الصحة. واستشكل أيضا كونه في ذلك الزمان بأنه لم يذكر في التوراة كما يدعيه اليهود اليوم كافة ويبعد ذلك غاية البعد على تقدير وجوده فالظاهر من عدم ذكره عدم كونه موجودا، وأجيب بأنا لا نسلم عدم ذكره، فقد أخرج ابن أبي حاتم عن السدي أن اليهود قالوا للنبي صلّى الله عليه وسلّم: يا محمد إنك إنما تذكر إبراهيم وموسى وعيسى والنبيين لأنك سمعت ذكرهم منا فأخبرنا عن نبي لم يذكره الله تعالى في التوراة إلا في مكان واحد قال: ومن هو؟ قالوا: ذو القرنين الخبر بل الظاهر من سؤالهم أن له ذكرا في كتابهم وإنكارهم اليوم ذلك لا يلتفت إليه على أن ما ذكر في الاستشكال مجرد استبعاد ولا يخفى أنه ليس مانعا قويا، هذا وبالجملة لا يكاد يسلم في أمر ذي القرنين شيء من الأقوال عن قيل وقال، وكأني بك بعد الاطلاع على الأقوال وما لها وما عليها تختار أنه الإسكندر بن فليقوس غالب دارا وتدعي أنه يقال له اليوناني كما يقال له الرومي وأنه كان مؤمنا بالله تعالى لم يرتكب مكفرا من عقد أو قول أو فعل وتقول إن تلمذته على أرسطو لا تمنع من ذلك:
فموسى الذي رباه جبريل كافر ... وموسى الذي رباه فرعون مرسل
وقد تتلمذ الأشعري على المعتزلة ورئيس المعتزلة على الحسن، وقد خالف أرسطو أفلاطون في أكثر المسائل وكان تلميذه، والقول بأن أرسطو كان بمنزلة الوزير عنده وكان يستشيره في المهمات ويعمل برأيه لا يدل على اتباعه له في سائر اعتقاداته فإن ذلك على تقدير ثبوته إنما هو في الأمور الملكية لا المسائل الاعتقادية على أن الملا صدر الدين