فَحَبِطَتْ بكسر الباء، وقرأ ابن عباس وأبو السمال بفتحها، والفاء للتفريع أي فحبطت لذلك أَعْمالُهُمْ المعهودة حبوطا كليا فَلا نُقِيمُ لَهُمْ أي لأولئك الموصوفين بما مر من حبوط الأعمال يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً أي فنزدري بهم ونحتقرهم ولا نجعل لهم مقدارا واعتبارا لأن مدار الاعتبار والاعتناء الأعمال الصالحة وقد حبطت بالمرة وحيث كان هذا الازدراء والاحتقار من عواقب حبوط الأعمال عطف عليه بطريق التفريع وأما ما هو من أجزية الكفر فسيجيء إن شاء الله تعالى بعد ذلك، وزعم بعضهم أن حقه على هذا أن يعطف بالواو عطف أحد المتفرعين على الآخر لأن منشأ ازدرائهم الكفر لا الحبوط وبه اعترض على ذلك وهو ناشىء من فرط الذهول كما لا يخفى أو لا نضع لأجل وزن أعمالهم ميزانا لأنها قد حبطت وصارت هباء منثورا. ونفي هذا بعد الإخبار بحبوطها من قبيل التأكيد بخلاف النفي على المعنى الأول ولذلك رجح عليه وليس من الاعتزال في شيء، وقرأ مجاهد وعبيد بن عمير فلا يقيم بالياء لتقدم قوله تعالى: بِآياتِ رَبِّهِمْ وعن عبيد أيضا فلا يقيم بفتح ياء المضارعة كأنه جعل قام متعديا، وعن مجاهد وابن محيصن ويعقوب بخلاف عنهم فلا يقوم لهم يوم القيامة وزن على أن يقوم مضارع قام اللازم و «وزن» فاعله.
ذلِكَ بيان لمآل كفرهم وسائر معاصيهم إثر بيان أعمالهم المحبطة بذلك وهو خبر مبتدأ محذوف أي الأمر والشأن ذلك. وقوله عز وجل جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ جملة مفسرة له فلا محل لها من الإعراب، وجوز أن يكون ذلِكَ مبتدأ وجَزاؤُهُمْ بدل منه بدل اشتمال أو بدل كل من كل إن كانت الإشارة إلى الجزاء الذي في الذهن وجَهَنَّمُ خبره. والتذكير وإن كان الخبر مؤنثا لأن المشار إليه الجزاء ولأن الخبر في الحقيقة للبدل. وأن يكون ذلِكَ مبتدأ وجَزاؤُهُمْ خبره وجَهَنَّمُ عطف بيان للخبر والإشارة إلى جهنم الحاضرة في الذهن، وأن يكون مبتدأ وجَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ مبتدأ وخبر خبر له والعائد محذوف والإشارة إلى كفرهم وأعمالهم والتذكير باعتبار ما ذكر أي ذلك جزاؤهم به جهنم، وتعقب بأن العائد المجرور إنما يكثر حذفه في مثل ذلك إذا جر بحرف بتبعيض أو ظرفية أو جر عائد قبله بمثل ما جر به كقوله: فالذي تدعي به أنت مفلح. أي به. وجوز أبو البقاء أن يكون ذلِكَ مبتدأ وجَزاؤُهُمْ بدل أو عطف بيان وجَهَنَّمُ بدل من جزاء أو خبر مبتدأ محذوف أي هو جهنم وقوله تعالى: بِما كَفَرُوا خبر ذلِكَ وقال بعد أن ذكر من وجوه الإعراب ما ذكر: إنه لا يجوز أن يتعلق الجار بجزاؤهم للفصل بينهما بجهنم، وقيل: الظاهر تعلقه به ولا يضر الفصل في مثل ذلك. وهو تصريح بأن ما ذكر جزاء لكفرهم المتضمن لسائر القبائح التي أنبأ عنها قوله تعالى المعطوف على كفروا وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً أي مهزوا بهما فإنهم لم يقنعوا بمجرد الكفر بالآيات والرسل عليهم السّلام بل ارتكبوا مثل تلك العظيمة أيضا.
وجوز أن تكون الجملة مستأنفة وهو خلاف الظاهر، والمراد من الآيات قيل المعجزات الظاهرة على أيدي الرسل عليهم السّلام والصحف الإلهية المنزلة عليهم الصلاة والسّلام إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا بيان بطريق الوعد لمآل الذين اتصفوا بأضداد ما اتصف به الكفرة أثر بيان مآلهم بطريق الوعيد أي إن الذين آمنوا بآيات ربهم ولقائه سبحانه وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ من الأعمال كانَتْ لَهُمْ فيما سبق من حكم الله تعالى ووعده فالمضي باعتبار ما ذكر. وفيه على ما قال شيخ الإسلام إيماء إلى أن أثر الرحمة يصل إليهم بمقتضى الرأفة الأزلية بخلاف ما مر من جعل جهنم للكافرين نزلا فإنه بموجب ما حدث من سوء اختيارهم، وقيل: يجوز أن يكون ما وعدوا به لتحققه نزل منزلة الماضي فجيء بكان إشارة إلى ذلك. ولم يقل اعتدنا لهم كما قيل فيما مر للإشارة إلى أن أمر الجنات لا يكاد يتم بل لا يزال ما فيها يزداد فإن اعتاد الشيء وتهيئته يقتضي تمامية أمره وكماله، وقد جاء في الآثار أنه يغرس للمؤمن بكل تسبيحة يسبحها شجرة