تكلف في الإضافة فيه كالشجر الملتف ونحوه، وظاهر بيت حسان وبيت أمية شاهد على أن للفردوس معنى غير ما جاء في الآثار فليتدبر. واعلم أنه استشكل أيضا ما جاء من أمر السائل بسؤال الفردوس لنفسه مع كونه أعلى الجنة
بخبر أحمد عن أبي هريرة مرفوعا «إذا صليتم علي فاسألوا الله تعالى لي الوسيلة أعلى درجة في الجنة لا ينالها إلا رجل واحد وأرجو أن أكون أنا هو»
وأجيب بأنه لا مانع من انقسام الدرجة الواحدة إلى درجات بعضها أعلى من بعض وتكون الوسيلة عبارة عن أعلى درجات الفردوس التي هي أعلى درجات الجنان، ونظير ذلك ما قيل في حد الإعجاز فتذكر، وقيل المراد من الدرجة في حديث الوسيلة درجة المكانة لا المكان بخلافها فيما تقدم فلا إشكال، والجار والمجرور متعلق بمحذوف على أنه حال من قوله تعالى نُزُلًا أو على أنه بيان كما في سعيا لك وخبر كان في الوجهين نُزُلًا أو على أنه الخبر ونُزُلًا من حال من جَنَّاتُ فإن جعل بمعنى ما يهيأ للنازل فالمعنى كانت لهم ثمار جنات الفردوس نزلا أو جعلت نفس الجنات نزلا مبالغة في الإكرام وفيه إيذان بأنها عند ما أعد الله تعالى لهم على لسان النبوة من
قوله تعالى «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر»
بمنزلة النزل بالنسبة إلى الضيافة، وإن جعلت بمعنى المنزل فالمعنى ظاهر خالِدِينَ فِيها نصب على الحالية وهي مقدرة عند البعض وحقق أنها حال مقارنة والمعتبر في المقارنة زمان الحكم وهو كونهم في الجنة وهم بعد حصولهم فيها مقارنون له إذ لا آخر له فتأمل ولا تغفل لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا هو- كما قال ابن عيسى وغيره- مصدر كالعوج والصغر والعود في قوله:
عادني حبها عودا أي لا يطلبون عنها تحولا إذ لا يتصور أن يكون شيء أعز عندهم وأرفع منها حتى تنازعهم إليه أنفسهم وتطمح عنه أبصارهم وإن تفاوتت درجاتهم، والحاصل أن المراد من عدم طلب التحول عنها كونها أطيب المنازل وأعلاها، وقال ابن عطية: كأنه اسم جمع وكأن واحده حوالة ولا يخفى بعده، وقال الزجاج عن قوم: هو بمعنى الحيلة في التنقل وهو ضعيف متكلف، وجوز أن يراد نفي التحول والانتقال على أن يكون تأكيدا للخلود لأن عدم طلب الانتقال مستلزم للخلود فيؤكده أو لأن الكلام على حد ولا ترى الضب بها ينجحر أي لا يتحولون عنها فيبغوه، وقيل في وجه التأكيد: إنهم إذا لم يريدوا الانتقال لا ينتقلون لعدم الإكراه فيها وعدم إرادة النقلة عنها فلم يبق إلا الخلود إذ لا واسطة بينهما كما قيل، والجملة حال من صاحب خالدين أو من ضميره فيه فتكون حالا متداخلة، وفيها إيذان بأن الخلود لا يورثهم مللا قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ أي جنس البحر مِداداً هو في الأصل اسم لكل ما يمد به الشيء واختص في العرف لما تمد به الدواة من الحبر لِكَلِماتِ رَبِّي أي معدا لكتابة كلماته تعالى، والمراد بها كما روي عن قتادة معلوماته سبحانه وحكمته عز وجل لَنَفِدَ الْبَحْرُ مع كثرته ولم يبق منه شيء لتناهيه قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي لعدم تناهيها وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً عونا وزيادة لأن مجموع المتناهيين متناه بل جميع ما يدخل في الوجود على التعاقب أو الاجتماع متناه ببرهان التطبيق وغيره من البراهين، وهذا كلام من جهته تعالى شأنه غير داخل في الكلام الملقن جيء به لتحقيق مضمونه وتصديق مدلوله على أتم وجه، والواو لعطف الجملة على نظيرتها المستأنفة المقابلة لها المحذوفة لدلالة المذكور عليها دلالة واضحة أي لنفد البحر قبل أن تنفد كلماته تعالى لو لم نجىء بمثله مددا ولو جئنا بمثله مددا، والكلام في جواب لَوْ مشهور وليس قوله تعالى قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ للدلالة على أن ثم نفادا في الجملة محققا أو مقدرا لأن المراد منه لنفد البحر وهي باقية إلا أنه عدل إلى المنزل لفائدة المزاوجة وإن ما لا ينفد عند العقول العامية ينفد دون نفادها وكلما فرضت من المد فكذلك والمثل للجنس شائع على أمثال كثيرة تفرض كل