للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ربك، وعلى القول بأنه اسم للقرآن قيل المراد بالقرآن ما يصدق على البعض ويراد به السورة والإعراب هو الإعراب وحينئذ لا تقابل بين القولين. وقيل المراد ما هو الظاهر وهو مبتدأ خبره ذِكْرُ إلخ والإسناد باعتبار الاشتمال أو التقدير أو التأويل وقوله تعالى عَبْدَهُ مفعول لرحمة ربك على أنها مفعول لما أضيف إليه وهو مصدر مضاف لفاعله موضوع هكذا بالتاء لا أنها للوحدة حتى تمنع من العمل لأن صيغة الوحدة ليست الصيغة التي اشتق منها الفعل ولا الفعل دال على الوحدة فلا يعمل المصدر لذلك عمل الفعل إلا شذوذا كما نص عليه النحاة، وقيل مفعول للذكر على أنه مصدر أضيف إلى فاعله على الاتساع، ومعنى ذكر الرحمة بلوغها وإصابتها كما يقال ذكرني معروفك أي بلغني، وقوله عز وجل زَكَرِيَّا بدل منه بدل كل من كل أو عطف بيان له أو نصب بإضمار أعني. وقوله تعالى شأنه إِذْ نادى رَبَّهُ ظرف لرحمة ربك وقيل لذكر على أنه مضاف لفاعله لا على الوجه الأول لفساد المعنى وقيل: هو بدل اشتمال من زَكَرِيَّا كما قوله تعالى وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا

[مريم: ١٦] .

وقرأ الحسن وابن يعمر كما حكاه أبو الفتح «ذكّر» فعلا ماضيا مشددا و «رحمة» بالنصب على أنه كما في البحر مفعول ثان لذكر والمفعول الأول محذوف و «عبده» مفعول لرحمة وفاعل «ذكّر» ضمير القرآن المعلوم من السياق أي ذكر القرآن الناس أن رحم سبحانه عبده، ويجوز أن يكون فاعل «ذكّر» ضمير كهيعص بناء على أن المراد منه القرآن ويكون مبتدأ والجملة خبره، وأن يكون الفاعل ضميره عز وجل أي ذكر الله تعالى الناس ذلك، وجوز أن يكون رَحْمَتِ رَبِّكَ مفعولا ثانيا والمفعول الأول هو عَبْدَهُ والفاعل ضميره سبحانه أي ذكر الله تعالى عبده رحمته أي جعل العبد يذكر رحمته، وإعراب زَكَرِيَّا كما مر، وجوز أن يكون مفعولا لرحمة والمراد بعبده الجنس كأنه قيل ذكر عباده رحمته زكريا وهو كما ترى، ويجوز على هذا أن يكون الفاعل ضمير القرآن، وقيل يجوز أن يكون الفاعل ضميره تعالى والرحمة مفعولا أولا و «عبده» مفعولا ثانيا ويرتكب المجاز أي جعل الله تعالى الرحمة ذاكرة عبده، وقيل «رحمة» نصب بنزع الخافض أي ذكر برحمة، وذكر الداني عن أبي يعمر أنه قرأ «ذكر» على الأمر والتشديد و «رحمة» بالنصب أي ذكر الناس رحمة أو برحمة ربك عبده زكريا.

وقرأ الكلبي «ذكر» فعلا ماضيا خفيفا و «رحمة ربك» بالنصب على المفعولية لذكر و «عبده» بالرفع على الفاعلية له. وزكريا عليه السّلام من ولد سليمان بن داود عليهما السّلام، وأخرج الحاكم وصححه عن ابن مسعود أنه آخر أنبياء بني إسرائيل وهو ابن آزر بن مسلم من ذرية يعقوب، وأخرج إسحاق بن بشر وابن عساكر عن ابن عباس أنه ابن دان وكان من أبناء الأنبياء الذين يكتبون الوحي في بيت المقدس، وأخرج أحمد وأبو يعلى والحاكم وصححه وابن مردويه عن أبي هريرة مرفوعا أنه عليه السّلام كان نجارا.

وجاء في اسمه خمس لغات أولها المد وثانيها القر وقرئ بهما في السبع وثالثها زكري بتشديد الياء. ورابعها زكرى بتخفيفها وخامسها زكر كقلم وهو اسم أعجمي، والنداء في الأصل رفع الصوت وظهوره وقد يقال لمجرد الصوت بل لكل ما يدل على شيء وإن لم يكن صوتا على ما حققه الراغب، والمراد هنا إذ دعا ربه نِداءً أي دعاء خَفِيًّا مستورا عن الناس لم يسمعه أحد منهم حيث لم يكونوا حاضريه وكان ذلك على ما قيل في جوف الليل، وإنما أخفى دعاءه عليه السّلام لأنه أدخل في الإخلاص وأبعد عن الرياء وأقرب إلى الخلاص عن لائمة الناس على طلب الولد لتوقفه على مبادئ لا يليق به تعاطيها في أوان الكبر والشيخوخة وعن غائلة مواليه، وعلى ما ذكرنا لا منافاة بين النداء وكونه خفيا بل لا منافاة بينهما أيضا إذا فسر النداء برفع الصوت لأن الخفاء غير الخفوت ومن رفع صوته في

<<  <  ج: ص:  >  >>