للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السّلام العشب وإنه كان ليبكي من خشية الله تعالى حتى لو كان القار على عينه لخرقه وقد كانت الدموع اتخذت مجرى في وجهه وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ

كثير البر بهما والإحسان إليهما والظاهر أنه عطف على خبر كان وقيل هو من باب علفتها تبنا وماء باردا والمراد وجعلناه برا وهو يناسب نظيره حكاية عن عيسى عليه السّلام، وقرأ الحسن وأبو جعفر في رواية وابن نهيك وأبو مجلز «وبرا» في الموضعين بكسر الباء أي وذا بر وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً

متكبرا متعاليا عن قبول الحق والإذعان له أو متطاولا على الخلق وقيل: الجبار هو الذي لا يرى لأحد عليه حقا، وعن ابن عباس أنه الذي يقتل ويضرب على الغضب.

وقال الراغب: هو في صفة الإنسان يقال لمن يجبر نقيصته بادعاء منزلة من التعالي لا يستحقها.

عَصِيًّا

مخالفا أمر مولاه عز وجل، وقيل: عاقا لأبويه وهو فعول وقيل فعيل، والمراد المبالغة في النفي لا نفي المبالغة وَسَلامٌ عَلَيْهِ

قال الطبري: أمان من الله تعالى عليه يَوْمَ وُلِدَ

من أن يناله الشيطان بما ينال به بني آدم وَيَوْمَ يَمُوتُ

من وحشة فراق الدنيا وهو المطلع وعذاب القبر، وفيه دليل على أنه يقال للمقتول ميت بناء على أنه عليه السّلام قتل لبغي من بغايا بني إسرائيل وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا

من هول القيامة وعذاب النار وجيء بالحال للتأكيد، وقيل: للإشارة إلى أن البعث جسماني لا روحاني، وقيل للتنبيه على أنه عليه السّلام من الشهداء.

وقال ابن عطية: الأظهر أن المراد بالسلام التحية المتعارفة والتشريف بها لكونها من الله تعالى في المواطن التي فيها العبد في غاية الضعف والحاجة وقلة الحيلة والفقر إلى الله عز وجل، وجاء في خبر رواه أحمد في الزهد وغيره عن الحسن أن عيسى ويحيى عليهما السّلام التقيا وهما ابنا الخالة فقال يحيى لعيسى: ادع الله تعالى لي فأنت خير مني فقال له عيسى: بل أنت ادع لي فأنت خير مني سلم الله تعالى عليك وإنما سلمت على نفسي.

وهذه الجملة- كما قال الطيبي- عطف من حيث المعنى على آتَيْناهُ الْحُكْمَ كأنه قيل وأتيناه الحكم صبيا وكذا وكذا وسلمناه أو سلمنا عليه في تلك المواطن فعدل إلى الجملة الاسمية لإرادة الدوام والثبوت وهي كالخاتمة للكلام السابق. ومن ثم شرع في قصة أخرى وذلك قوله تعالى وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ

إلخ فهو كلام مستأنف خوطب به النبي صلّى الله عليه وسلّم وأمر عليه الصلاة والسّلام بذكر قصة مريم إثر قصة زكريا عليه السّلام لما بينهما من كمال الاشتباك والمناسبة. والمراد بالكتاب عند بعض المحققين السورة الكريمة لا القرآن كما عليه الكثير إذ هي التي صدرت بقصة زكريا عليه السّلام المستتبعة لقصتها وقصص الأنبياء عليهم السّلام المذكورين فيها أي واذكر للناس فيها مَرْيَمَ

أي نبأها فإن الذكر لا يتعلق بالأعيان.

وقوله تعالى: إِذِ انْتَبَذَتْ

ظرف لذلك المضاف لكن لا على أن يكون المأمور به ذكر نبئها عند انتباذها فقط بل كل ما عطف عليه وحكي بعده بطريق الاستئناف داخل في حيز الظرف متمم للبناء. وجعله أبو حيان ظرفا لفعل محذوف أي واذكر مريم وما جرى لها إذ انتبذت وما ذكرناه أولى. وقيل: هو ظرف لمحذوف وقع حالا من ذلك المضاف، وقيل: بدل اشتمال من مريم لأن الأحيان مشتملة على ما فيها وفيه تفخيم لقصتها العجيبة.

وتعقبه أبو البقاء بأن الزمان إذا لم يقع حالا من الجثة ولا خبرا عنها ولا صفة لها لم يكن بدلا منها. ورد بأنه لا يلزم من عدم صحة ما ذكر عدم صحة البدلية ألا ترى سلب زيد ثوبه كيف صح فيه البدلية مع عدم صحة ما ذكر في البدل وكون ذلك حال الزمان فقط غير بين ولا مبين. وقيل: بدل كل من كل على أن المراد بمريم قصتها وبالظرف

<<  <  ج: ص:  >  >>