هون عليك فإن الأمور ... بكف الإله مقاديرها
اسما كما في قوله:
غدت من عليه بعد ماتم ظمؤها وجعل الجار والمجرور هنا متعلقا بمحذوف أي أعني إليك ما قالوا في سقيا لك ونحوه مما جيء به للتبيين.
وأنت تعلم أنهم قالوا بمجيء إلى للتبيين لكن قال ابن مالك. وكذا صاحب القاموس: إنها المبينة لفاعلية مجرورها بعد ما يفيد حبا أو بغضا من فعل تعجب أو اسم تفضيل وما هنا ليس كذلك. وقال في الإتقان: حكى ابن عصفور في شرح أبيات الإيضاح عن ابن الأنباري أن إلى تستعمل اسما فيقال: انصرفت من إليك كما يقال غدوت من عليه وخرج عليه من القرآن وَهُزِّي إِلَيْكِ وبه يندفع إشكال أبي حيان فيه انتهى.
وكان عليه أن يبين ما معناها على القول بالاسمية، ولعلها حينئذ بمعنى عند فقد صرح بمجيئها بهذا المعنى في القاموس وأنشد:
أم لا سبيل إلى الشباب وذكره ... أشهى إلي من الرحيق السلسل
لكن لا يحلو هذا المعنى في الآية، ومثله ما قيل إنها في ذلك اسم فعل، ثم إن حكاية استعمالها اسما إذا صحت تقدح في قول أبي حيان: لا يمكن أن يدعى أن إلى نكون اسما لإجماع النحاة على حرفيتها. ولعله أراد إجماع من يعتد به منهم في نظره. والذي أميل إليه في دفع الإشكال أن الفعل مضمن معنى الميل والجار والمجرور متعلق به لا بالفعل الرافع للضمير وهو مغزى بعيد لا ينبغي أن يسارع إليه بالاعتراض على أن في القلب من عدم صحة نحو هذا التركيب للقاعدة المذكورة شيئا لكثرة مجيء ذلك في كلامهم. ومنه قوله تعالى: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ [الأحزاب: ٣٧] والبيت المار آنفا. وقول الشاعر:
دع عنك نهبا صيح في حجراته ... ولكن حديثا ما حديث الرواعل
وقولهم: اذهب إليك وسر عنك إلى غير ذلك مما لا يخفى على المتتبع. وتأويل جميع ما جاء لا يخلو عن تكلف فتأمل وأنصف، ثم الفعل هنا منزل منزلة اللازم كما في قول ذي الرمة:
فإن تعتذر بالمحل من ذي ضروعها ... إلى الضيف يجرح في عراقيبها نصلي
فلذا عدي بالباء أي افعلي الهز بِجِذْعِ النَّخْلَةِ فالباء للآلة كما في كتبت بالقلم. وقيل هو متعد والمفعول محذوف والكلام على تقدير مضاف أي هزي الثمرة بهز جذع النخلة ولا يخفى ما فيه من التكلف وأن هز الثمرة لا يخلو من ركاكة، وعن المبرد أن مفعوله رُطَباً الآتي والكلام من باب التنازع. وتعقب بأن الهز على الرطب لا يقع إلا تبعا فجعله أصلا وجعل الأصل تبعا حيث أدخل عليه الباء للاستعانة غير ملائم مع ما فيه من الفصل بجواب الأمر بينه وبين مفعوله ويكون فيه أعمال الأول وهو ضعيف لا سيما في هذا المقام.
وما ذكر من التعكيس وارد على ما فيه التكلف وهو ظاهر، وما قيل من أن الهز وإن وقع بالأصالة على الجذع لكن المقصود منه الثمرة فلهذه النكتة المناسبة جعلت أصلا لأن هز الثمرة ثمرة الهز لا يدفع الركاكة التي ذكرناها مع أن المفيد لذلك ما يذكر في جواب الأمر. وجعل بعضهم بِجِذْعِ النَّخْلَةِ في موضع الحال على تقدير جعل المفعول رُطَباً أو الثمرة أي كائنة أو كائنا بجذع النخلة وفيه ثمرة ما لا تسمن ولا تغني، وقيل الباء مزيدة للتأكيد مثلها في قوله تعالى: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة: ١٩٥] وقول الشاعر: