وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً كلام مستأنف سيق لبيان حال المهتدين إثر بيان حال الضالين كما اختاره أبو السعود، واختار الزمخشري وتبعه أبو البقاء أنه عطف على موضع فَلْيَمْدُدْ إلخ ولم يجوزه أبو حيان سواء كان «فليمدد» دعاء أو خبرا في صورة الطلب لأنه في موضع الخبر إن كانت من موصولة، وفي موضع الجزاء إن كانت شرطية وموضع المعطوف موضع المعطوف عليه والجملة التي جعلت معطوفة خالية من ضمير يربط الخبر بالمبتدأ والجواب بالشرط، وقيل عليه أيضا: إن العطف غير مناسب من جهة المعنى كما أنه غير مناسب من جهة الإعراب إذ لا يتجه أن يقال: من كان في الضلالة يزيد الله الذين اهتدوا هدى. وأجيب عن هذا بأن المعنى من كان في الضلالة زيد في ضلالته وزيد في هداية أعدائه لأنه مما يغيظه وعما سبق بأن من شرطية لا موصولة. اشتراط ضمير يعود من الجزاء على اسم الشرط غير الظرف ممنوع وهو غير متفق عليه عند النحاة كما في الدر المصون مع أنه مقدر كما سمعت ولا يخفى أن هذا العطف لا يخلو عن تكلف، واختار البيضاوي أنه عطف على مجموع قوله تعالى مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ إلخ ليتم التقابل فإنه صلّى الله عليه وسلّم أمر أن يجيبهم عن قولهم المؤمنين أي الفريقين إلخ فليأت بذكر القسمين أصالة. قال الطيبي: فكأنه قيل: قل من كان في الضلالة من الفريقين فليمهله الله تعالى وينفس في مدة حياته ليزيد في الغي ويجمع الله تعالى له عذاب الدارين ومن كان في الهداية منهما يزيد الله تعالى هدايته فيجمع سبحانه له خير الدارين. وهذا الجواب من الأسلوب الحكيم وفيه معنى قول حسان:
أتهجوه ولست له بكفء ... فشر كما لخير كما فداء
في الدعاء والاحتراز عن المواجهة، وفي الكشف أن هذا أولى مما اختاره الزمخشري وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ قد تقدمت الأقوال المأثورة في تفسيرها، واختير أنها الطاعات التي تبقى فوائدها وتدوم عوائدها لعمومه وكلها خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً بمعناه المتعارف، وقيل: عائدة مما متع به الكفرة من النعم المخدجة الفانية التي يفتخرون بها وَخَيْرٌ من ذلك أيضا مَرَدًّا أي مرجعا وعاقبة لأن عاقبتها المسرة الأبدية والنعيم المقيم وعاقبة ذلك الحسرة السرمدية والعذاب الأليم. وفي التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره صلّى الله عليه وسلّم من اللطف والتشريف ما لا يخفى. وتكرير الخير لمزيد الاعتناء ببيان الخيرية وتأكيد لها. وفي الآية على ما ذكره الزمخشري ضرب من التهكم بالكفرة حيث أشارت إلى تسمية جزائهم ثوابا. والمفاضلة على ما قال على طريقة- الصيف أحر من الشتاء- أي أبلغ في حره من الشتاء في برده وليست على التهكم لأنك لو قلت: النار خير من الزمهرير أو بالعكس تهكما كان التهكم على بابه في المفضل والمفضل عليه وذلك مما لا يتمشى فيما نحن فيه. وحاصل ما أراده أن المراد ثواب هؤلاء أبلغ من ثواب أولئك أي عقابهم. وقول صاحب التقريب فيه: إنه غير معلوم جوابه كيف لا وقد سبقت الرحمة الغضب وفي الجنة من الضعف والإفضال ما لا يقادر قدره والنار من عدله تعالى، وقوله: إنه غير مناسب لمقام التهديد مع ما فيه من المنع يرد عليه أن الكلام مبني على التقابل وأنه على المشاكلة في قولهم أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وأحسن نديا فوعد هؤلاء ليس لمجرد تهديد أولئك بل مقصود لذاته قاله في الكشف.
وقال صاحب الفرائد: ما قاله الزمخشري بعيد عن الطبع والاستعمال وليس في كلامهم ما يشهد له، ويمكن أن يقال: المراد ثواب الأعمال الصالحة في الآخرة خير من ثوابهم في الدنيا وهو ما حصل لهم منها من الخير بزعمهم ومما أوتوا من المال والجاه والمنافع الحاصلة منهما اه، ورد إنكاره له بأن الزجاج ذكره في قوله تعالى: أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ [الفرقان: ١٥] وأن له نظائر. والبعد عن الطبع في حيز المنع.
وقال بعض المحققين: إن أفعل في الآية للدلالة على الاتصاف بالحدث وعلى الزيادة المطلقة كما قيل في