للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي سؤالا كما- ورأى سيبويه أنه في موضع نصب على الحال، والتقدير عنده أن تسألوه أي السؤال كَما وأجاز الحوفي أن تكون ما موصولة في موضع المفعول به ل تَسْئَلُوا أي كالأشياء التي سئلها مُوسى عليه السلام قَبْلُ وهو الأنسب لأن الإنكار عليهم إنما هو لفساد المقترحات، وكونها في العاقبة وبالا عليهم- وفيه نظر- لأن المشبه أَنْ تَسْئَلُوا وهو مصدر، فالظاهر أن المشبه به كذلك، وقبح السؤال إنما هو لقبح المسئول عنه، بل قد يكون السؤال نفسه قبيحا في بعض الحالات مع أن المصدرية لا تحتاج إلى تقدير رابط- فهو أولى- ومِنْ قَبْلُ متعلق ب سُئِلَ وجيء به للتأكيد. وقرأ الحسن. وأبو السمال «سيل» - بسين مكسورة وياء- وأبو جعفر والزهري- بإشمام السين الضم وياء- وبعضهم بتسهيل- الهمزة- بين بين- وضم السين.

وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ جملة مستقلة مشتملة على حكم كلي أخرجت مخرج المثل جيء بها لتأكيد النهي عن الاقتراح المفهوم من قوله: أَمْ تُرِيدُونَ إلخ معطوفة عليه، فهي تذييل له باعتبار أن المقترحين الشاكين من جملة- الضالين الطريق المستقيم المتبدلين- وسَواءَ بمعنى وسط أو مستوي، والإضافة من باب إضافة الوصف إلى الموصوف لقصد المبالغة في بيان قوة الاتصاف كأنه نفس- السواء- على منهاج حصول الصورة في الصورة الحاصلة- والفاء- رابطة وما بعدها لا يصح أن يكون جزاء الشرط لأن ضلال الطريق المستقيم متقدم على- الاستبدال- والارتداد لا يترتب عليه، ولأن الجزاء إذا كان ماضيا مع قد كان باقيا على مضيه لأن قد للتحقيق، وما تأكد ورسخ لا ينقلب، ولا يترتب الماضي على المستقبل، ولأن كون الشرط مضارعا والجزاء ماضيا صورة ضعيف لم يأت في الكتاب العزيز- على ما صرح به الرضيّ وغيره- فلا بد من التقدير بأن يقال: وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فالسبب فيه أنه تركه، ويؤول المعنى إلى أن ضلال الطريق المستقيم- وهو الكفر الصريح في الآيات- سبب للتبديل والارتداد، وفسر بعضهم- التبدل- المذكور بترك الثقة بالآيات باعتبار كونه لازما له فيكون كناية عنه، وحاصل الآية حينئذ ومن يترك الثقة بالآيات البينة المنزلة بحسب المصالح التي من جملتها الآيات الناسخة التي هي خير محض، وحق بحت واقترح غيرها فقد عدل وجار من حيث لا يدري عن الطريق المستقيم الموصل إلى معالم الحق والهدى، وتاه في تيه الهوى، وتردى في مهاوي الردى، واختار ما في النظم الكريم إيذانا من أول الأمر على أبلغ وجه بأن ذلك كفر وارتداد، ولعل ما أشرنا إليه أولى كما لا يخفى على المتدبر، وقرىء وَمَنْ يُبَدِّلْ من- أبدل- وإدغام- الدال في الضاد- والإظهار قراءتان مشهورتان.

وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وهم طائفة من أحبار اليهود قالوا للمسلمين بعد وقعة أحد: ألم تروا إلى ما أصابكم، ولو كنتم على الحق لما هزمتم، فارجعوا إلى ديننا فهو خير لكم، رواه الواحدي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه. وروي أن فنحاص بن عازوراء وزيد بن قيس ونفرا من اليهود قالوا ذلك لحذيفة رضي الله تعالى عنه من حديث طويل، وذكر الحافظ ابن حجر أنه لم يوجد في شيء من كتب الحديث لَوْ يَرُدُّونَكُمْ حكاية لودادتهم، وقد تقدم الكلام على لَوْ هذه فأغنى عن الإعادة مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً أي مرتدين، وهو حال من ضمير المخاطبين يفيد مقارنة الكفر بالرد فيؤذن بأن الكفر يحصل بمجرد الارتداد مع قطع النظر إلى ما يرد إليه، ولذا لم يقل- لو يردونكم- إلى الكفر، وجوز أن يكون حالا من فاعل وَدَّ واختار بعضهم أنه مفعول ثان- ليردونكم- على تضمين الرد معنى التصيير إذ منهم من لم يكفر حتى يرد إليه فيحتاج إلى التغليب كما في لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا [الأعراف: ٨٨، ابراهيم: ١٣] على أن في ذلك يكون الكفر المفروض بطريق القسر وهو أدخل في الشناعة، وفي قوله تعالى: مِنْ بَعْدِ مع أن الظاهر- عن- لأن الرد يستعمل بها تنصيص بحصول الإيمان لهم، وقيل: أورد متوسطا

<<  <  ج: ص:  >  >>