للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشيء طوى أي مرتين فيكون موضوعا موضع المصدر، وأنشد الطبرسي لعدي بن زيد:

أعاذل إن اللوم في غير كنهه ... على طوى من غيك المتردد

وذكر الراغب أنه إذا كان بمعنى مرتين يفتح أوله ويكسر، ولا يخفى عليك أن الأظهر كونه اسما للوادي في جميع القراءات وَأَنَا اخْتَرْتُكَ أي اصطفيتك من الناس أو من قومك للنبوة والرسالة. وقرأ السلمي وابن هرمز والأعمش في رواية «وإنا» بكسر الهمزة وتشديد النون مع ألف بعدها «اخترناك» بالنون والألف، وكذا قرأ طلحة وابن أبي ليلى وحمزة وخلف والأعمش في رواية أخرى إلا أنهم فتحوا همزة إن، وذلك بتقدير أعلم أي واعلم أنا اخترناك، وهو على ما قيل عطف على «اخلع» ، ويجوز عند من قرأ «أني أنا ربك» بالفتح أن يكون العطف عليه سواء كان متعلقا بنودي كما قيل أو معمولا لا علم مقدرا كما اختير.

وجوز أبو البقاء أن يكون بتقدير اللام وهو متعلق بما بعده أي لأنا اخترناك فَاسْتَمِعْ وهو كما ترى، والفاء في قوله تعالى فَاسْتَمِعْ لترتيب الأمر والمأمور به على ما قبلها فإن اختياره عليه السّلام لما ذكر من موجبات الاستماع والأمر به، واللام في قوله سبحانه لِما يُوحى متعلقة باستمع، وجوز أن تكون متعلقة باخترناك، ورده أبو حيان بأنه يكون حينئذ من باب الأعمال ويجب أو يختار حينئذ إعادة الضمير مع الثاني بأن يقال: فاستمع له لما يوحى.

وأجيب بأن المراد جواز تعلقها بكل من الفعلين على البدل لا على أنه من الأعمال. واعترض على هذا بأن قوله تعالى إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا بدل من ما يُوحى ولا ريب في أن اختياره عليه السّلام ليس لهذا فقط والتعلق باخترناك كيفما كان يقتضيه. وأجيب بأنه من باب التنصيص على ما هو الأهم والأصل الأصيل، وقيل: هي سيف خطيب فلا متعلق لها كما في رَدِفَ لَكُمْ [النمل: ٧٢] وما موصولة.

وجوز أن تكون مصدرية أي فاستمع للذي يوحى إليك أو للوحي، وفي أمره عليه السّلام بالاستماع إشارة إلى عظم ذلك وأنه يقتضي التأهب له، قال أبو الفضل الجوهري: لما قيل لموسى عليه السّلام استمع لما يوحى وقف على حجر واستند إلى حجر ووضع يمينه على شماله وألقى ذقنه على صدره وأصغى بشراشره.

وقال وهب: أدب الاستماع سكون الجوارح وغض البصر والإصغاء بالسمع وحضور العقل والعزم على العمل وذلك هو الاستماع لما يحب الله تعالى، وحذف الفاعل في يُوحى للعلم به ويحسنه كونه فاصلة فإنه لو كان مبنيا للفاعل لم يكن فاصلة، والفاء في قوله تعالى فَاعْبُدْنِي لترتيب المأمور به على ما قبلها فإن اختصاص الألوهية به تعالى شأنه من موجبات تخصيص العبادة به عز وجل، والمراد بها غاية التذلل والانقياد له تعالى في جميع ما يكلفه به، وقيل: المراد بها هنا التوحيد كما في قوله سبحانه وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: ٥٦] والأول أولى وَأَقِمِ الصَّلاةَ خصت الصلاة بالذكر وأفردت بالأمر مع اندراجها في الأمر بالعبادة لفضلها وإنافتها على سائر العبادات بما نيطت به من ذكر المعبود وشغل القلب واللسان بذكره، وقد سماها الله تعالى إيمانا في قوله سبحانه وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ [البقرة: ١٤٣] .

واختلف العلماء في كفر تاركها كسلا كما فصل في محله، وقوله تعالى لِذِكْرِي الظاهر أنه متعلق بأقم أي أقم الصلاة لتذكرني فيها لاشتمالها على الأذكار، وروي ذلك عن مجاهد، وقريب منه ما قيل أي لتكون لي ذاكرا غير ناس فعل المخلصين في جعلهم ذكر ربهم على بال منهم وتوكيل هممهم وأفكارهم به، وفرق بينهما بأن المراد بالإقامة على الأول تعديل الأركان، وعلى الثاني الإدامة وجعلت الصلاة في الأول مكانا للذكر ومقره وعلته، وعلى الثاني جعلت إقامة الصلاة أي إدامتها علة لإدامة الذكر كأنه قيل أدم الصلاة لتستعين بها على استغراق فكرك وهمك في الذكر كقوله تعالى وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [البقرة: ٤٥] .

<<  <  ج: ص:  >  >>