وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى شروع في حكاية ما كلفه عليه السّلام من الأمور المتعلق بالخلق إثر حكاية ما أمر به من الشؤون الخاصة بنفسه. فما استفهامية في محل الرفع بالابتداء وتِلْكَ خبره أو بالعكس وهو أدخل بحسب المعنى وأوفق بالجواب وبِيَمِينِكَ متعلق بمضمر وقع حالا من تِلْكَ أي وما تلك قارة أو مأخوذة بيمينك والعامل فيه ما فيه من معنى الإشارة كما في قوله عز وعلا حكاية وَهذا بَعْلِي شَيْخاً [هود: ٧٢] وتسميه النحاة عاملا معنويا.
وقال ابن عطية: تِلْكَ اسم موصول وبِيَمِينِكَ متعلق بمحذوف صلته أي وما التي استقرت بيمينك. وهو على مذهب الكوفيين الذين يقولون إن كل اسم إشارة يجوز أن يكون اسما موصولا. ومذهب البصريين عدم جواز ذلك إلا في ذا بشرطه. والاستفهام تقريري وسيأتي قريبا إن شاء الله تعالى بيان المراد منه قالَ هِيَ عَصايَ نسبها عليه السّلام إلى نفسه تحقيقا لوجه كونها بيمينه وتمهيدا لما يعقبه من الأفاعيل المنسوبة إليه عليه السّلام. واسمها على ما روي عن مقاتل نبعة. وكان عليه السّلام قد أخذها من بيت عصى الأنبياء عليهم السّلام التي كانت عند شعيب حين استأجره للرعي هبط بها آدم عليه السّلام من الجنة وكانت فيما يقال من آسها. وقال وهب: كانت من العوسج وطولها عشرة أذرع على مقدار قامته عليه السّلام. وقيل: اثنتا عشرة ذراعا بذراع موسى عليه السّلام. وذكر المسند إليه وإن كان هو الأصل لرغبته عليه السّلام في المناجاة ومزيد لذاذته بذلك. وقرأ ابن أبي إسحاق والجحدري «عصي» بقلب الألف ياء وإدغامها في ياء المتكلم على لغة هذيل فإنهم يقلبون الألف التي قبل ياء المتكلم ياء للمجانسة كما يكسر ما قبلها في الصحيح. قال شاعرهم:
وقرأ الحسن «عصاي» بكسر الباء وهي مروية عن أبي ابن إسحاق أيضا وأبي عمرو، وهذه الكسرة لالتقاء الساكنين كما في البحر. وعن ابن أبي إسحق «عصاي» بسكون الياء كأنه اعتبر الوقف ولم يبال بالتقاء الساكنين، والعصا من المؤنثات السماعية ولا تلحقها التاء، وأول لحن سمع بالعراق كما قال الفراء: هذه عصاتي وتجمع على عصي بكسر أوله وضمه وأعص وأعصاء أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها أي أتحامل عليها في المشي والوقوف على رأس القطيع ونحو ذلك وَأَهُشُّ بِها أي أخبط بها ورق الشجر وأضربه ليسقط عَلى غَنَمِي فتأكله. وقرأ النخعي كما ذكر أبو الفضل الرازي. وابن عطية «أهشّ» بكسر الهاء ومعناه كمعنى مضموم الهاء، والمفعول على القراءتين محذوف كما أشرنا إليه.
وقال أبو الفضل: يحتمل أن يكون ذلك من هش يهش هشاشة إذ مال أي أميل بها على غنمي بما يصلحها من السوق وإسقاط الورق لتأكله ونحوهما، ويقال: هش الورق والكلأ والنبات إذا جف ولان انتهى. وعلى هذا لا حذف.