الإعرابين في مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى الحوفي. وابن عطية وأبو البقاء وغيرهم.
واختار في البحر الإعراب الأول ورجحه بأن فيه دلالة على أن آياته تعالى كلها كبرى بخلاف الإعراب الثاني وبأنه على الثاني لا تكون الْكُبْرى صفة العصا واليد معا وإلا لقيل: الكبريين. ولا يمكن أن يخص أحدهما لأن في كل منهما معنى التفضيل، ويبعد ما قال الحسن وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما من أن اليد أعظم في الإعجاز من العصا لأنه ليس في اليد إلا تغيير اللون وأما العصا ففيها تغيير اللون وخلق الزيادة في الجسم وخلق الحياة والقدرة والأعضاء المختلفة مع عودها عصا بعد ذلك فكانت أعظم في الإعجاز من اليد، وجوز أن تكون الْكُبْرى صفة لهما ولاتحاد المقصود جعلتا آية واحدة وأفردت الصفة لذلك. وأن تكون صفة لليد والعصا غنية عن الوصف بها لظهور كونها كبرى.
وأنت تعلم أن هذا كله خلاف الظاهر. وكذا ما قيل: من أن من على الإعراب الثاني للبيان بأن يكون المراد لنريك الآيات الكبرى من آياتنا ليصح الحمل الذي يقتضيه البيان ولا يترجح بذلك الإعراب الثاني على الأول ولا يساويه أصلا. ولا يخفى عليك أن كل احتمال من احتمالات متعلق اللام خلا من الدلالة على وصف آية العصا بالكبر لا ينبغي أن يعول عليه. ويعتذر بأن عدم الوصف للظهور مع ظهور الاحتمال الذي لا يحتاج معه إلى الاعتذار عن ذلك المقال فتأمل والله تعالى العاصم من الزلل اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ تخلص إلى ما هو المقصد من تمهيد المقدمات السالفة فصل عما قبله من الأوامر إيذانا بأصالته أي اذهب إليه بما رأيته من آياتنا الكبرى وادعه إلى عبادتي وحذره نقمتي.
وقوله تعالى إِنَّهُ طَغى تعليل للأمر أو لوجوب المأمور به أي جاوز الحد في التكبر والعتو والتجبر حتى تجاسر على العظيمة التي هي دعوى الربوبية،
قال وهب بن منبه: إن الله تعالى قال لموسى عليه السّلام: ادن فلم يزل يدنيه حتى شد ظهره بجذع الشجرة فاستقر وذهبت عنه الرعدة وجمع يده في العصا وخضع برأسه وعنقه ثم قال له بعد أن عرفه نعمته تعالى عليه: انطلق برسالتي فإنك بعيني وسمعي وإن معك أيدي ونصري وإني قد ألبستك جنة من سلطاني تستكمل بها القوة في أمري فأنت جند عظيم من جنودي بعثتك إلى خلق ضعيف من خلقي بطر نعمتي وأمن مكري وغرته الدنيا حتى جحد حقي وأنكر ربوبيتي وعبد من دوني وزعم أنه لا يعرفني وإني لأقسم بعزتي لولا العذر والحجة اللذان وضعت بيني وبين خلقي لبطشت به بطشة جبار يغضب لغضبه السموات والأرض والجبال والبحار فإن أمرت السماء حصبته وإن أمرت الأرض ابتلعته وإن أمرت البحار غرقته وإن أمرت الجبال دمرته ولكنه هان علي وسقط من عيني ووسعه حلمي واستغنيت بما عندي وحق لي إني أنا الغني لا غني غيري فبلغه رسالتي وادعه إلى عبادتي وتوحيدي وإخلاص اسمي وذكره بأيامي وحذره نقمتي وبأسي وأخبره أنه لا يقوم شيء لغضبي وقل له فيما بين ذلك قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى وأخبره أني إلى العفو والمغفرة أسرع مني إلى الغضب والعقوبة ولا يرو عنك ما ألبسته من لباس الدنيا فإن ناصيته بيدي ليس يطرف ولا ينطق ولا يتنفس إلا بأذني وقل له: أجب ربك فإنه واسع المغفرة وإنه قد أمهلك أربعمائة سنة في كلها أنت مبارزة بالمحاربة تتشبه وتتمثل به وتصد عباده عن سبيله وهو يمطر عليك السماء وينبت لك الأرض لم تسقم. ولم تهرم ولم تفتقر ولم تغلب ولو شاء أن يفعل ذلك بك فعل ولكنه ذو أناة وحلم عظيم في كلام طويل.
وفي بعض الروايات أن الله تعالى لما أمره عليه السّلام بالذهاب إلى فرعون سكت سبعة أيام
، وقيل: أكثر فجاءه ملك فقال: أنفذ ما أمرك ربك، وفي القلب من صحة ذلك شيء قالَ استئناف بياني كأنه قيل فماذا قال موسى