للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك تشريك في حكم واحد وهو بعيد عن حقيقة الحكم، ويَوْمَ متعلق ب يَحْكُمُ وكذا ما بعده ولا ضير لاختلاف المعنى، وفيه متعلق ب يَخْتَلِفُونَ لا ب كانُوا وقدم عليه للمحافظة على رؤوس الآي.

«ومن باب الإشارة في الآيات» ما ننسخ من آية أي ما نزيل من صفاتك شيئا عن ديوان قلبك أو نخفيه بإشراق أنوارنا عليه إلا ونرغم فيه من صفاتنا التي لا تظن قابليتك لما يشاركها في الاسم والتي تظن وجود ما لا يشاركها فيك أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ عالم الأرواح وأرض الأجساد وهو المتصرف فيهما بيد قدرته بل العوالم على اختلافها ظاهر شؤون ذاته ومظهر أسمائه وصفاته فلم يبق شيء غيره ينصركم ويليكم أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رسول العقل من اللذات الدنية والشهوات الدنيوية كَما سُئِلَ مُوسى القلب مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الظلمة بالنور فقد ضل الطريق المستقيم وقالت اليهود لن يدخل الجنة المعهودة عندهم وهي جنة الظاهر وعالم الملك التي هي جنة الأفعال وجنة النفس إلا من كان هودا وقالت النصارى لن يدخل الجنة المعهودة عندهم وهي جنة الباطن وعالم الملكوت التي هي جنة الصفات وجنة القلب إلا من كان نصرانيا، ولهذا قال عيسى عليه السلام: لن يلج ملكوت السماوات من لم يولد مرتين تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ أي غاية مطالبهم التي وقفوا على حدها واحتجبوا بها عما فوقها قُلْ هاتُوا دليلكم الدال على نفي دخول غيركم إِنْ كُنْتُمْ صادقين في دعواكم بل الدليل دل على نقيض مدعاكم فإن مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ وخلص ذاته من جميع لوازمها وعوارضها لله تعالى بالتوحيد الذاتي عند المحو الكلي وهو مستقيم في أحواله بالبقاء بعد الفناء مشاهد ربه في أعماله راجع من الشهود الذاتي إلى مقام الإحسان الصفاتي الذي هو المشاهدة للوجود الحقاني فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ أي ما ذكرتم من الجنة وأصفى لاختصاصه بمقام العندية التي حجبتم عنها ولهم زيادة على ذلك هي عدم خوفهم من احتجاب الذات وعدم حزنهم على ما فاتهم من جنة الأفعال والصفات التي حجبتم بالوقوف عندها وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ لاحتجابهم بالباطن عن الظاهر وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ لاحتجابهم عن الباطن بالظاهر وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ وفيه ما يرشدهم إلى رفع الحجاب ورؤية حقية كل مذهب في مرتبته كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ المراتب مِثْلَ قَوْلِهِمْ فخطأ كل فرقة منهم الفرقة الأخرى ولم يميزوا بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية ولم يعرفوا وجه الحق في كل مرتبة من مراتب الوجود فالله تعالى الجامع لجميع الصفات على اختلاف مراتبها وتفاوت درجاتها يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ بالحق في اختلافاتهم يوم قيام القيامة الكبرى وظهور الوحدة الذاتية وتجلي الرب بصور المعتقدات حتى ينكرونه فلا يسجد له إلا من لم يقيده سبحانه حتى بقيد الإطلاق وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ نزلت في طيطوس بن إسيانوس الرومي وأصحابه وذلك أنهم غزوا بني إسرائيل فقتلوا مقاتليهم وسبوا ذراريهم وحرقوا التوراة وخربوا بيت المقدس وقذفوا فيه الجيف وذبحوا فيه الخنازير وبقي خرابا إلى أن بناه المسلمون في أيام عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وروى عطاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنها نزلت في مشركي العرب منعوا المسلمين من ذكر الله تعالى في المسجد الحرام، وعلى الأول تكون الآية معطوفة على قوله تعالى: وَقالَتِ النَّصارى عطف قصة على قصة تقريرا لقبائحهم، وعلى الثاني تكون اعتراضا بأكثر من جملة بين المعطوف أعني قالوا اتخذوا المعطوف عليه أعني قالت اليهود لبيان حال المشركين الذين جرى ذكرهم بيانا لكمال شناعة أهل الكتاب فإن المشركين الذين يضاهونهم إذا كانوا أظلم الكفرة، وظاهر الآية العموم في كل مانع وفي كل مسجد وخصوص السبب لا يمنعه، و «أظلم» أفعل تفضيل خبر عن- من- ولا يراد بالاستفهام حقيقته وإنما هو بمعنى النفي فيؤول إلى الخبر أي لا أحد أظلم من ذلك واستشكل بأن هذا التركيب قد تقرر في القرآن وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها

<<  <  ج: ص:  >  >>