إدراج ما فصله عليه السّلام من أفعاله تعالى الدالة على اختصاصه سبحانه بالربوبية وأحكامها في الآيات، وقيل: الإضافة لاستغراق الأنواع و «كل» تأكيد له أي أريناه أنواع آياتنا كلها، والمراد بالآيات المعجزات وأنواعها وهي كما قال السخاوي: ترجع إلى إيجاد معدوم أو إعدام موجود أو تغييره مع بقائه وقد أري اللعين جميع ذلك في العصا واليد وفي الانحصار نظر ومع الإغماض عنه لا يخلو ذلك عن بعد، وزعمت الكشفية أن المراد من الآيات علي كرم الله تعالى وجهه أظهره الله تعالى لفرعون راكبا على فرس وذكروا من صفتها ما ذكروا. والجمع كما في قوله تعالى آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ [آل عمران: ٩٧] وظهور بطلانه يغني عن التعرض لرده.
والفاء في قوله تعالى فَكَذَّبَ للتعقيب والمفعول محذوف أي فكذب الآيات أو موسى عليه السّلام من غير تردد وتأخير وَأَبى أي قبول الآيات أو الحق أو الإيمان والطاعة أي امتنع عن ذلك غاية الامتناع وكان تكذيبه وإباؤه عند الأكثرين جحودا واستكبارا وهو الأوفق بالذم. ومن فسر أرينا بعرفنا وقدر مضافا أي صحة آياتنا وقال: إن التعريف يوجب حصول المعرفة قال بذلك لا محالة.
وقوله تعالى قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى استئناف مبين لكيفية تكذيبه وإبائه. والهمزة لإنكار الواقع واستقباحه، وزعم أنه أمر محال والمجيء إما على حقيقته أو بمعنى الإقبال على الأمر والتصدي له أي أجئتنا من مكانك الذي كنت فيه بعد ما غبت عنا أو أقبلت علينا لتخرجنا من مصر بما أظهرته من السحر وهذا مما لا يصدر عن عاقل لكونه من باب محاولة المحال، وإنما قال ذلك ليحمل قومه على غاية المقت لموسى عليه السّلام بإبراز أن مراده ليس مجرد إنجاء بني إسرائيل من أيديهم بل إخراج القبط من وطنهم وحيازة أموالهم وأملاكهم بالكلية حتى لا يتوجه إلى اتباعه أحد ويبالغوا في المدافعة والمخاصمة إذ الإخراج من الوطن أخو القتل كما يرشد إلى ذلك قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ [النساء: ٦٦] وسمي ما أظهره الله تعالى من المعجزة الباهرة سحرا لتجسيرهم على المقابلة. ثم ادعى أنه يعارضه بمثله فقال فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها واللام واقعة في جواب قسم محذوف كأنه قيل: إذا كان كذلك فو الله لنأتينك بسحر مثل سحرك فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً أي وعدا على أنه مصدر ميمي وليس باسم زمان ولا مكان لأن الظاهر أن قوله تعالى لا نُخْلِفُهُ صفة له والضمير المنصوب عائد إليه. ومتى كان زمانا أو مكانا لزم تعلق الأخلاف بالزمان أو المكان وهو إنما يتعلق بالوعد يقال: أخلف وعده لا زمان وعده ولا مكانه أي لا نخلف ذلك الوعد نَحْنُ وَلا أَنْتَ وإنما فوض اللعين أمر الوعد إلى موسى عليه السّلام للاحتراز عن نسبته إلى ضعف القلب وضيق الحال وإظهار الجلادة وإراءة أنه متمكن من تهيئة أسباب المعارضة وترتيب آلات المغالبة طال الأمد أم قصر كما أن تقديم ضميره على ضمير موسى عليه السّلام وتوسيط كلمة النفي بينهما للإيذان بمسارعته إلى عدم الأخلاف وإن عدم إخلافه لا يوجب عدم إخلافه عليه السّلام ولذلك أكد النفي بتكرير حرفه.
وقرأ أبو جعفر وشيبة «لا نخلفه» بالجزم على أنه جواب للأمر أي إن جعلت ذلك لا نخلفه مَكاناً سُوىً أي منصفا بيننا وبينك كما روي عن مجاهد. وقتادة أي محلا واقعا على نصف المسافة بيننا سواء بسواء. وهذا معنى قول أبي على قربه منكم كقربه منا، وعلى ذلك قول الشاعر:
وان أبانا كان حل بأهله ... سوى بين قيس قيس عيلان والفزر
أو محل نصف أي عدل كما روي عن السدي لأن المكان إذا لم يترجح قربه من جانب على آخر كان معدلا بين الجانبين. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد أنه قال: أي مكانا مستويا من الأرض لا وعر فيه ولا جبل ولا أكمة ولا