للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: كان ذلك إن قالوا: إن كان هذا ساحرا فسنغلبه وإن كان من السماء فله أمر، وروي ذلك عن قتادة، وعلى هذه الأقوال يكون المراد من أَمْرَهُمْ أمر موسى عليه السّلام وإضافته إليهم لأدنى ملابسة لوقوعه فيما بينهم واهتمامهم به ويكون أسرارهم من فرعون وملئه، ويحمل قولهم: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ إلخ على أنهم اختلفوا فيما بينهم من الأقاويل المذكورة ثم استقرت آراؤهم على ذلك وأبوا إلا المناصبة للمعارضة وهو كلام مستأنف استئنافا بيانيا كأنه قيل: فماذا قالوا للناس بعد تمام التنازع فقيل: قالُوا إِنْ هذانِ إلخ.

وجعل الضمير في قالُوا: لفرعون وملئه على أنهم قالوا ذلك للسحرة ردا لهم عن الاختلاف وأمرا بالإجماع والإزماع وإظهار الجلادة مخل بجزالة النظم الكريم كما يشهد به الذوق السليم، نعم لو جعل ضمير «تنازعوا» والضمائر الذي بعده لهم كما ذهب إليه أكثر المفسرين أيضا لم يكن فيه ذلك الإخلال وإن مخففة من أن وقد أهملت عن العمل واللام فارقة.

وقرأ ابن كثير بتشديد نون هذانِ وهو على خلاف القياس للفرق بين الأسماء المتمكنة وغيرها.

وقال الكوفيون: إن نافية واللام بمعنى إلا أي ما هذان إلا ساحران. ويؤيده أنه قرىء كذلك. وفي رواية عن أبي أنه قرى «إن هذان إلا ساحران» . وقرىء «إن ذان» بدون هاء التنبيه «إلا ساحران» . وعزاها ابن خالويه إلى عبد الله وبعضهم إلى أبي وهي تؤيد ذلك أيضا. وقرىء «إن ذان لساحران» بإسقاط هاء التنبيه فقط.

وقرأ أبو جعفر والحسن وشيبة والأعمش وطلحة وحميد وأيوب وخلف في اختياره وأبو عبيد وأبو حاتم وابن عيسى الأصبهاني وابن جرير: وابن جبير الأنطاكي. والأخوان. والصاحبان من السبعة «إنّ» بتشديد النون «هذان» بألف ونون خفيفة، واستشكلت هذه القراءة حتى قيل: إنها لحن وخطأ بناء على ما أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن عن هشام بن عروة عن أبيه قال: سألت عائشة رضي الله تعالى عنها عن لحن القرآن عن قوله تعالى إِنْ هذانِ لَساحِرانِ. وعن قوله تعالى وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ [النساء: ١٦٢] وعن قوله تعالى وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ [المائدة: ٦٩] فقالت: يا ابن أخي هذا عمل الكتاب أخطؤوا في الكتاب، وإسناده صحيح على شرط الشيخين كما قال الجلال السيوطي. وهذا مشكل جدا إذ كيف يظن بالصحابة أولا أنهم يلحنون في الكلام فضلا عن القرآن وهم الفصحاء اللد، ثم كيف يظن بهم ثانيا الغلط في القرآن الذي تلقوه من النبي صلّى الله عليه وسلّم كما أنزل ولم يألوا جهدا في حفظه وضبطه وإتقانه، ثم كيف يظن بهم ثالثا اجتماعهم كلهم على الخطا وكتابته، ثم كيف يظن بهم رابعا عدم تنبههم ورجوعهم عنه، ثم كيف يظن خامسا الاستمرار على الخطا وهو مروي بالتواتر خلفا عن سلف ولو ساغ مثل ذلك لارتفع الوثوق بالقرآن.

وقد خرجت هذه القراءة على وجوه الأول أن إِنْ بمعنى نعم وإلى ذلك ذهب جماعة منهم المبرد والأخفش الصغير وأنشدوا قوله:

بكر العواذل في الصبو ... ح يلمنني وألومهنه

ويقلن شيب قد علا ... ك وقد كبرت فقلت إنه

والجيد الاستدلال بقول ابن الزبير رضي الله تعالى عنهما لمن قال له: لعن الله ناقة حملتني إليك إن وراكبها إذ قد قيل: في البيت إنا لا نسلم أن إن فيه بمعنى نعم والهاء للسكت بل هي الناصبة والهاء ضمير منصوب بها والخبر محذوف أي إنه كذلك ولا يصح أن يقال: إنها في الخبر كذلك وحذف الجزءان لأن حذف الجزأين جميعا لا يجوز.

وضعف هذا الوجه بأن كونها بمعنى نعم لم يثبت، أو هو نادر. وعلى تقدير الثبوت من غير ندرة ليس قبلها ما يقتضي

<<  <  ج: ص:  >  >>