للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقرأ حمزة والكسائي وأبو بحرية والأعمش وطلحة وابن أبي ليلى وخلف في اختياره وابن عيسى الأصبهاني وابن جبير الأنطاكي وابن جرير «سحر» بكسر السين وإسكان الحاء على معنى ذي سحر أو على تسمية الساحر سحرا مبالغة كأنه لتوغله في السحر صار نفس السحر. وقيل: على أن الإضافة لبيان أن الكبد من جنس السحر. وهذه الإضافة من إضافة العام إلى الخاص. وهي على معنى اللام عند شارح الهادي وعلى معنى من على ما يفهم من ظاهر كلام الشريف في أول شرح المفتاح وتسمى إضافة بيانية. ويحمل فيما وجدت فهى المضاف إليه على المضاف. ولا يشترط أن يكون بين المتضايفين عموم وخصوص من وجه وبعضهم شرط ذلك.

وقوله تعالى شأنه وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ أي هذا الجنس حَيْثُ أَتى حيث كان وأين أقبل فحيث ظرف مكان أريد به التعميم من تمام التعليل. ولم يتعرض لشأن العصا وكونها معجزة إلهية مع ما في ذلك من تقوية التعليل للإيذان بظهور أمرها.

وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن جندب بن عبد الله البجلي قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أخذتم الساحر فاقتلوه ثم قرأ: وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى قال لا يؤمن حيث وجد»

وقرأت فرقة «أين أتى» والفاء في قوله تعالى فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً فضيحة معربة عن جمل غنية عن التصريح أي فزال الخوف وألقى ما في يمينه وصارت حية وتلقفت حبالهم وعصيهم وعلموا أن ذلك معجز فألقى السحرة على وجوههم سجدا لله تعالى تائبين مؤمنين به عز وجل وبرسالة موسى عليه السلام.

روي أن رئيسهم قال: كنا نغلب الناس وكانت الآلات تبقى علينا فلو كان هذا سحرا فأين ما ألقينا فاستدل بتغير أحوال الأجسام على الصانع القدير العليم وبظهور ذلك على يد موسى عليه السلام على صحة رسالته. وكأن هاتيك الحبال والعصي صارت هباء منبثا وانعدامها بالكلية ممكن عندنا، وفي التعبير بألقى دون فسجد إشارة إلى أنهم شاهدوا ما أزعجهم فلم يتمالكوا حتى وقعوا على وجوههم ساجدين، وفيه إيقاظ السامع لإلطاف الله تعالى في نقله من شاء من عباده من غاية الكفر والعناد إلى نهاية الإيمان والسداد مع ما فيه من المشاكلة والتناسب، والمراد أنهم أسرعوا إلى السجود، قيل: إنهم لم يرفعوا رؤوسهم من السجود حتى رأوا الجنة والنار والثواب والعقاب.

وأخرج عبد بن حميد. وابن المنذر. وابن أبي حاتم عن عكرمة أنهم لما خروا سجدا أراهم الله تعالى في سجودهم منازلهم في الجنة. واستبعد ذلك القاضي بأنه كالإلجاء إلى الإيمان وأنه ينافي التكليف. وأجيب بأنه حيث كان الإيمان مقدما على هذا الكشف فلا منافاة ولا الجاء، وفي إرشاد العقل السليم أنه لا ينافيه قولهم: إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا [طه: ٧٣] إلخ لأن كون تلك المنازل منازلهم باعتبار صدور هذا القول عنهم.

قالُوا استئناف كما مر غير مرة آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى تأخير موسى عليه السلام عند حكاية كلامهم المذكورة في سورة الأعراف المقدم فيه موسى عليه السلام لأنه أشرف من هارون والدعوة والرسالة إنما هي له أولا وبالذات وظهور المعجزة على يده عليه السلام لرعاية الفواصل، وجوز أن يكون كلامهم بهذا الترتيب وقدموا هارون عليه السلام لأنه أكبر سنا، وقول السيد في شرح المفتاح: إن موسى أكبر من هارون عليهما السلام سهو. وأما للمبالغة في الاحتراز عن التوهم الباطل من جهة فرعون وقومه حيث كان فرعون ربي موسى عليه السلام فلو قدموا موسى لربما توهم اللعين وقومه من أول الأمر أن مرادهم فرعون تقديمه في سورة الأعراف تقديم في الحكاية لتلك النكتة.

وجوز أبو حيان أن يكون ما هنا قول طائفة منهم وما هناك قول أخرى وراعى كل نكتة فيما فعل لكنه لما اشترك القول في المعنى صح نسبة كل منهما إلى الجميع. واختيار هذا القول هنا لأنه أوفق بآيات هذه السورة.

قالَ أي فرعون للسحرة آمَنْتُمْ لَهُ أي لموسى كما هو الظاهر. والإيمان في الأصل متعد بنفسه ثم شاع تعديه بالباء لما فيه من التصديق حتى صار حقيقة. وإنما عدي هنا باللام لتضمينه معنى الانقياد وهو يعدى بها يقال.

<<  <  ج: ص:  >  >>