للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آمَنْتُمْ لَهُ بناء على الظاهر فيه. واختار ذلك الطبري وجماعة وهذا إما لقصد توضيع موسى عليه السلام والهزء به لأنه عليه السلام لم يكن من التعذيب في شيء، وإما لأن إيمانهم لم يكن بزعمه عن مشاهدة المعجزة ومعاينة البرهان بل كان عن خوف من قبله عليه السلام حيث رأوا ابتلاع عصاه لحبالهم وعصيهم فخافوا على أنفسهم أيضا. واختار أبو حيان أن المراد من الغير الذي أشار إليه الضمير رب موسى عز وجل الذي آمنوا به بقولهم آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى.

وَلَتَعْلَمُنَّ هنا معلق وأَيُّنا أَشَدُّ جملة استفهامية من مبتدأ وخبر في موضع نصب سادة مسد مفعوليه إن كان العلم على بابه أو في موضع مفعول واحد له إن كان بمعنى المعرفة: ويجوز على هذا الوجه أن يكون أَيُّنا مفعولا وهو مبني على رأي سيبويه وأَشَدُّ خبر مبتدأ محذوف أي هو أشد. والجملة صلة أي والعائد الصدر، وعَذاباً تمييز. وقد استغنى بذكره مع أَشَدُّ عن ذكره مع أَبْقى وهو مراد أيضا. واشتقاق أبقى من البقاء بمعنى الدوام.

وقيل: لا يبعد والله تعالى أعلم أن يكون من البقاء بمعنى العطاء فإن اللعين كان يعطي لمن يرضاه العطايا فيكون للآية شبه بقول نمروذ «أنا أحيي وأميت» وهو في غاية البعد عند من له ذوق سليم. ثم لا يخفى أن اللعين في غاية الوقاحة ونهاية الجلادة حيث أوعد وهدد وأبرق وأرعد مع قرب عهده بما شاهد من انقلاب العصا حية وما لها من الآثار الهائلة حتى إنها قصدت ابتلاع قبته فاستغاث بموسى عليه السلام ولا يبعد نحو ذلك من فاجر طاغ مثله قالُوا غير مكترثين بوعيده لَنْ نُؤْثِرَكَ لن نختارك بالإيمان والانقياد عَلى ما جاءَنا من الله تعالى على يد موسى عليه السلام مِنَ الْبَيِّناتِ من المعجزات الظاهرة التي اشتملت عليه العصا. وإنما جعلوا المجيء إليهم وإن عم لأنهم المنتفعون بذلك والعارفون به على أتم وجه من غير تقليد. وما موصولة وما بعدها صلتها والعائد الضمير المستتر في جاء. وقيل العائد محذوف وضمير جاءَنا لموسى عليه السلام أي على الذين جاءنا به موسى عليه السلام وفيه بعد. وإن كان صنيع بعضهم اختياره مع أن في صحة حذف مثل هذا المجرور كلاما.

وَالَّذِي فَطَرَنا أي أبدعنا وأوجدنا وسائر العلويات والسفليات. وهو عطف على «ما جاءنا» وتأخيره لأن ما في ضمنه آية عقلية نظرية وما شاهدوه آية حسية ظاهرة. وإيراده تعالى بعنوان الفاطرية لهم للإشعار بعلة الحكم فإن إبداعه تعالى لهم. وكون فرعون من جملة مبدعاته سبحانه مما يوجب عدم إيثارهم إياه عليه عز وجل. وفيه تكذيب للعين في دعواه الربوبية. وقيل: الواو للقسم وجوابه محذوف لدلالة المذكور عليه أي وحق الذي فطرنا لن نؤثرك إلخ.

ولا مساغ لكون المذكور جوابا عند من يجوز تقديم الجواب أيضا لما أن القسم لإيجاب كما قال أبو حيان: بلن إلا في شاذ من الشعر. وقولهم: هذا جواب لتوبيخ اللعين بقوله: آمنتم إلخ. وقوله تعالى فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ جواب عن تهديده بقوله: لأقطعن إلخ أي فاصنع ما أنت بصدد صنعه أو فاحكم بما أنت بصدد الحكم به فالقضاء أما بمعنى الإيجاد الإبداعي كما في قوله تعالى فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ [فصلت: ١٢] وإما بمعناه المعروف. وعلى الوجهين ليس المراد من الأمر حقيقته، وما موصولة والعائد محذوف.

وجوز أبو البقاء كونها مصدرية وهو مبني على ما ذهب إليه بعض النحاة من جواز وصل المصدرية بالجملة الاسمية ومنع ذلك بعضهم، وقوله تعالى إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا مع ما بعده تعليل لعدم المبالاة المستفاد مما سبق من الأمر بالقضاء، وما كافة وهذِهِ الْحَياةَ منصوب محلا على الظرفية لتقضى والقضاء على ما مر ومفعوله محذوف أي إنما تصنع ما تهواه أو تحكم بما تراه في هذه الحياة الدنيا فحسب وما لنا من رغبة في عذبها ولا رهبة من عذابها، وجوز أن تكون ما مصدرية فهي وما في حيزها في تأويل مصدر اسم أن وخبرها هذِهِ الْحَياةَ أي إن قضاءك كائن في هذه الحياة، وجوز أن ينزل الفعل منزلة اللازم فلا حذف.

<<  <  ج: ص:  >  >>