وقيل: إن السؤال عن السبب والجواب إنما هو قوله وَعَجِلْتُ إلخ وما قبله تمهيد له وفيه نظر، وعلى هذا وما قبله لم يكن جواب موسى عليه السلام عن أمرين ليجيء سؤال الترتيب فيجاب بما مر أو بما ذكره الزمخشري من أنه عليه السلام حار لما ورد عليه من التهيب لعتاب الله عز وجل فأذهله ذلك عن الجواب المنطبق المترتب على حدود الكلام لكن قال في البحر: إن في هذا الجواب إساءة الأدب مع الأنبياء عليهم السلام، وذلك شأن الزمخشري معهم صلى الله تعالى وسلّم عليهم، والمراد من إِلَيْكَ إلى مكان وعدك فلا يصلح دليلا للمجسمة على إثبات مكان له عز وجل. ونداؤه تعالى بعنوان الربوبية لمزيد الضراعة والابتهال رغبة في قبول العذر وأُولاءِ اسم إشارة كما هو المشهور مرفوع المحل على الخبرية- لهم- وعَلى أَثَرِي خبر بعد خبر أو حال كما قال أبو حيان وجوز الطبرسي كون أُولاءِ بدل من هُمْ وعَلى أَثَرِي هو الخبر، وقال أبو البقاء: أُولاءِ اسم موصول وعَلى أَثَرِي صلته وهو مذهب كوفي.
وقرأ الحسن وابن معاذ عن أبيه «أولاي» بياء مكسورة وابن وثاب وعيسى في رواية «أولى» بالقصر، وقرأت فرقة «أولاي» بياء مفتوحة وقرأ عيسى ويعقوب وعبد الوارث عن أبي عمرو وزيد بن علي رضي الله تعالى عنهما «على إثري» بكسر الهمزة وسكون الثاء، وحكى الكسائي «أثري» بضم الهمزة وسكون الثاء وتروى عن عيسى، وفي الكشاف إن «الأثر» بفتحتين أفصح من «الأثر» بكسر فسكون، وأما الأثر فمسموع في فرند السيف مدون في الأصول يقال: أثر السيف وأثره وهو بمعنى الأثر غريب قالَ استئناف مبني على سؤال نشأ من حكاية اعتذاره عليه السلام وهو السر في وروده على صيغة الغائب لا أنه التفات من التكلم إلى الغيبة لما أن المقدر فيما سبق على صيغة التكلم كأنه قيل من جهة السامعين: فماذا قال له ربه تعالى حينئذ؟ فقيل: قال سبحانه فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ أي اختبرناهم بما فعل السامري أو أوقعناهم في فتنة أي ميل مع الشهوات ووقوع في اختلاف مِنْ بَعْدِكَ من بعد فراقك لهم وذهابك من بينهم وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ حيث أخرج لهم عجلا جسدا له خوار ودعاهم إلى عبادته. وقيل: قال لهم وذهابك من بينهم وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ حيث أخرج لهم عجلا جسدا له خوار ودعاهم إلى عبادته. وقيل: قال لهم بعد أن غاب موسى عليه السلام عنهم عشرين ليلة: إنه قد كملت الأربعون فجعل العشرين مع أيامها أربعين ليلة. وليس من موسى عين ولا أثر وليس إخلافه ميعادكم إلا لما معكم من حلي القوم وهو حرام عليكم فجمعوه وكان من أمر العجل ما كان. والمراد بقومك هنا الذين خلفهم مع هارون عليه السلام، وكانوا على ما قيل ستمائة ألف ما نجا منهم من عبادة العجل إلا اثنا عشر ألفا فالمراد بهم غير المراد بقومك فيما تقدم، ولذا لم يؤت بضميرهم، وقيل: المراد بالقوم في الموضعين المتخلين لتعين إرادتهم هنا، والمعرفة المعادة عين الأولى. ومعنى «هم أولاء على أثري» هم بالقرب مني ينتطرونني.
وتعقبه في الكشف بأنه غير ملائم للفظ الأثر ولا هو مطابق لتمهيد عذر العجلة ومن أين لصاحب هذا التأويل النقل بأنهم كانوا على القرب من الطور وحديث المعرفة المعادة إنما هو إذا لم يقم دليل التغاير وقد قام على أن لنا أن تقول: هي عين الأولى لأن المراد بالقوم الجنس في الموضعين لكن المقصود منه أولا النقباء وثانيا المتخلفون ومثله كثير في القرآن انتهى. وما ذكره من نفي النقل الدال على القرب فيه مقال، وسيأتي إن شاء الله تعالى قريبا من الأخبار ما يدل بظاهره على القرب إلا أنا لم نقف على تصحيحه أو تضعيفه.
وما ذكر من تفسير هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي على إرادة المتخلفين في الأول أيضا نقله الطبرسي عن الحسن، ونقل عنه أيضا تفسيره بأنهم على ديني ومنهاجي والأمر عليه أهون. والفاء لتعليل ما يفهمه الكلام السابق كأنه قيل: لا ينبغي عجلتك عن قومك وتقدمك عليهم وإهمال أمرهم لوجه من الوجوه فإنهم لحداثة عهدهم باتباعك ومزيد