يعصى ولا ظلم له أي لا يظلم، وأصله أن اختصاص الفعل بمتعلقه ثابت كما هو بالفاعل، وقيل: أي لا عوج لدعائه فلا يميل إلى ناس دون ناس بل يسمع جميعهم وحكي ذلك عن أبي مسلم.
وقيل: هو على القلب أي لا عوج لهم عنه بل يأتون مقبلين إليه متبعين لصوته من غير انحراف وحكي ذلك عن الجبائي وليس بشيء، والجملة في موضع الحال من الداعي أو مستأنفة كما قال ابن عطية: يحتمل أن يكون المعنى لا شك فيه ولا يخالف وجوده خبره وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ أي خفيت لمهابته تعالى وشدة هول المطلع، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: سكنت والخشوع مجاز في ذلك، وقيل: لا مجاز والكلام على حذف مضاف أي أصحاب الأصوات وليس بذاك فَلا تَسْمَعُ خطاب لكل من يصح منه السمع إِلَّا هَمْساً أي صوتا خفيا خافتا كما قال أبو عبيدة. وعن مجاهد هو الكلام الخفي، ويؤيده قراءة أبي «فلا ينطقون إلا همسا» وعن ابن عباس هو تحريك الشفاه بغير نطق، واستبعد بأن ذلك مما يرى لا مما يسمع، وفي رواية أخرى عنه أنه خفق الأقدام وروي ذلك عن عكرمة وابن جبير والحسن، واختاره الفراء والزجاج.
ومنه قول الشاعر: وهن يمشين بنا هميسا. وذكر أنه يقال للأسد الهموس لخفاء وطئه فالمعنى سكنت أصواتهم وانقطعت كلماتهم فلم يسمع منهم إلا خفق أقدامهم ونقلها إلى المحشر يَوْمَئِذٍ أي يوم إذ يقع ما ذكر من الأمور الهائلة وهو ظرف لقوله تعالى: لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ وجوز أن يكون بدلا من يوم القيامة أو من يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ، والمراد لا تنفع الشفاعة من الشفعاء أحدا إِلَّا مَنْ أَذِنَ في الشفاعة.
لَهُ الرَّحْمنُ فالاستثناء من أعم المفاعيل ومَنْ مفعول تَنْفَعُ وهي عبارة عن المشفوع له ولَهُ متعلق بمقدر متعلق بإذن، وفي البحر أن اللام للتعليل وكذا في قوله تعالى وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا أي ورضي لأجله قول الشافع وفي شأنه أو رضي قول الشافع لأجله وفي شأنه فالمراد بالقول على التقديرين قول الشافع، وجوز فيه أيضا أن لا يكون للتعليل، والمعنى ورضي قولا كائنا له فالمراد بالقول قول المشفوع وهو على ما روي عن ابن عباس لا إله إلا الله، وحاصل المعنى عليه لا تنفع الشفاعة أحدا إلا من أذن الرحمن في أن يشفع له وكان مؤمنا، والمراد على كل تقدير أنه لا تنفع الشفاعة أحدا إلا من أذن الرحمن في أن يشفع له وكان مؤمنا، والمراد على كل تقدير أنه لا تنفع الشفاعة أحدا إلا من ذكر وأما من عداه فلا تكاد تنفعه وإن فرض صدورها عن الشفعاء المتصدين للشفاعة للناس كقوله تعالى: فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ [المدثر: ٤٨] .
وجوز في البحر والدر المصون أن لا يقدر مفعول لتنفع تنزيلا له منزلة اللازم والاستثناء من شفاعة ومن في محل رفع على البدلية منها بتقدير مضاف أو في محل نصب على الاستثناء بتقديره أيضا أي إلا شفاعة من أذن إلخ، ومن عبارة عن الشافع والاستثناء متصل ويجوز أن يكون منقطعا إذا لم يقدر شيء ومحل «من» حينئذ نصب على لغة الحجاز ورفع على لغة تميم، واعترض كون الاستثناء من الشفاعة على تقدير المضاف بأن حكم الشفاعة ممن لم يؤذن له أن يملكها ولا تصدر عنه أصلا ومعنى «لا يقبل منها شفاعة» لا يؤذن لها فيها لا أنها لا تقبل بعد وقوعها فالأخبار عنها بمجرد عدم نفعها للمشفوع له ربما يوهم إمكان صدورها حين لم يأذن له مع إخلاله بمقتضى مقام تهويل اليوم.
يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ الظاهر أن ضمير الجمع عائد على الخلق المحشورين، وهم متبعو الداعي، وقيل: على الناس لا بقيد الحشر والاتباع، وقيل: على الملائكة عليهم السلام وهو خلاف الظاهر جدا، والمراد من الموصولين على ما قيل ما تقدمهم من الأحوال وما بعدهم مما يستقبلونه أو بالعكس أو أمور الدنيا وأمور الآخرة أو بالعكس أو ما يدركونه وما لا يدركونه وقد مر الكلام في ذلك.
وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً أي لا يحيط علمهم بمعلوماته تعالى فعلما تمييز محول عن الفاعل وضمير «به» لله