قلت: يا أمير المؤمنين إن صاحبنا من قد علمت والله ما نقول: إنه غير ولا بدل ولا أسخط رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أيام صحبته فقال ولا في بنت أبي جهل وهو يريد أن يخطبها على فاطمة قلت قال الله تعالى في معصية آدم عليه السلام وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً فصاحبنا لم يعزم على إسخاط رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولكن الخواطر التي لا يقدر أحد دفعها عن نفسه وربما كانت من الفقيه في دين الله تعالى العالم بأمر الله سبحانه فإذا نبه عليها رجع وأناب فقال: يا ابن عباس من ظن أنه يرد بحوركم فيغوص فيها معكم حتى يبلغ قعرها فقد ظن عجزا، لكن لا يخفى عليك أن هذا التفسير غير متبادر ولا كثير المناسبة للمقام. وحاصل لم نجد إلخ عليه أنه نسي فيتكرر مع ما قبله.
ثم إن لَمْ نَجِدْ إن كان من الوجود العلمي،- فله عزما- مفعولاه قدم الثاني على الأول لكونه ظرفا وإن كان من الوجود المقابل للعدم كما اختاره بعضهم- فله- متعلق به قدم على مفعوله لما مر غير مرة أو بمحذوف وقع حالا من مفعوله المنكر، والمعنى على هذا ولم نصادف له عزما وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ شروع في بيان المعهود وكيفية ظهور نسيانه وفقدان عزمه، وَإِذْ منصوب على المفعولية بمضمر خوطب به النبي صلّى الله عليه وسلّم أي واذكر وقت قولنا للملائكة إلخ. قيل: وهو معطوف على مقدر أي اذكر هذا واذكر إذ قلنا أو من عطف القصة على القصة.
وأيّا ما كان فالمراد اذكر ما وقع في ذلك الوقت منا ومنه حتى يتبين لك نسيانه وفقدان عزمه فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قد مر الكلام فيه مرارا أَبى جملة مستأنفة وقعت جوابا عن سؤال نشأ عن الأخبار بعدم سجوده كأنه قيل: فما باله لم يسجد؟ فقل: أَبى والإباء الامتناع أو شدته ومفعوله إما محذوف أي أبى السجود كما في قوله تعالى أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ [الحجر: ٣١] أو غير منوي رأسا بتنزيله منزلة اللازم أي فعل الإباء وأظهره فَقُلْنا عقيب ذلك اعتناء بنصح آدم عليه السلام يا آدَمُ إِنَّ هذا الذي رأيت منه ما رأيت عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ أعيد اللام لأنه لا يعطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار عند الجمهور. وقيل: أعيد للدلالة على أن عداوة اللعين للزوجة أصالة لا تبعا. وهو على القول بعدم لزوم إعادة الجار في مثله كما ذهب إليه ابن مالك ظاهر. وأما على القول باللزوم فقد قيل في توجيهه. إن كون الشيء لازما بحسب القاعدة النحوية لا ينافي قصد إفادة ما يقتضيه المقام.
وقد صرح السيد السند في شرح المفتاح في توجيه جعل صاحب المفتاح تنكير التمييز في قوله تعالى:
وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً [مريم: ٤] لإفادة المبالغة بما يرشد إلى ذلك، ولا يخفى ما في التعبير بزوجك دون حواء من مزيد التنفير والتحذير منه، واختلف في سبب العداوة فقيل مجرد الحسد وهو لعنه الله تعالى ولعن أتباعه أول من حسد، وقيل: كونه شيخا جاهلا وكون آدم عليه السّلام شابا عالما، والشيخ الجاهل يكون أبدا عدوا للشاب العالم بل الجاهل مطلقا عدو للعالم كذلك كما قيل: والجاهلون لأهل العلم أعداء وقيل: تنافي الأصلين فإن اللعين خلق من نار وآدم عليه السلام خلق من طين وحواء خلقت منه، وقد ذكر جميع ذلك الإمام الرازي.
فَلا يُخْرِجَنَّكُما أي فلا يكونن سببا لإخراجكما مِنَ الْجَنَّةِ وهذا كناية عن نهيهما عن أن يكونا بحيث يتسبب الشيطان في إخراجهما منها نحو قوله تعالى: فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ [الأعراف: ٢] والفاء لترتيب موجب النهي على عداوته لهما أو على الأخبار بها فَتَشْقى أي فتتعب بمتاعب الدنيا وهي لا تكاد تحصى ولا يسلم منها أحد وإسناد ذلك إليه عليه السلام خاصة بعد تعليق الإخراج الموجب له بهما معا لأصالته في الأمور واستلزام تعبه لتعبها مع ما في ذلك من مراعاة الفواصل على أتم وجه، وقيل: المراد بالشقاء التعب في تحصيل مبادئ المعاش وهو من وظائف الرجال، وأيد هذا بما أخرجه عبد بن حميد وابن عساكر. وجماعة عن سعيد بن جبير قال: «إن آدم عليه السلام لما أهبط من الجنة استقبله ثور أبلق فقيل له: اعمل عليه فجعل يمسح العرق عن جبينه ويقول: هذا ما