للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ألبس سحر السحرة لباس القهر فخاف من القهر لأنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون.

وسئل ابن عطاء عن ذلك فقال: ما خاف عليه السلام على نفسه وإنما خاف على قومه أن يفوتهم حظهم من الله تعالى قلنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى أي إنك المحفوظ بعيون الرعاية وحرس اللطف أو أنت الرفيع القدر الغالب عليهم غلبة تامة بحيث يكونون بسببها من أتباعك فلا يفوتهم حظهم من الله تعالى فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً إلى آخر ما كان منهم فيه إشارة إلى أن الله تعالى يمن على من يشاء بالتوفيق والوصول إليه سبحانه في أقصر وقت فلا يستبعد حصول الكمال لمن تاب وسلك على يد كامل مكمل في مدة يسيرة. وكثير من الجهلة ينكرون على السالكين التائبين إذا كانوا قريبي العهد بمقارفة الذنوب ومفارقة العيوب حصول الكمال لهم وفيضان الخير عليهم ويقولون كيف يحصل لهم ذلك وقد كانوا بالأمس كيت وكيت، وقولهم: لَنْ نُؤْثِرَكَ إلخ كلام صادر من عظم الهمة الحاصل للنفس بقوة اليقين فإنه متى حصل ذلك للنفس لم تبال بالسعادة الدنيوية والشقاوة البدنية واللذات العاجلة الفانية والآلام الحسية في جنب السعادة الأخروية واللذة الباقية الروحانية وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إلخ فيه إشارة إلى استحباب مفارقة الأغيار وترك صحبة الأشرار وَلا تَطْغَوْا فِيهِ عد من الطغيان فيه استعماله مع الغفلة عن الله تعالى وعدم نية التقوى به على تقواه عز وجل وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى الإشارة فيه أنه ينبغي للرئيس رعاية الأصلح في حق المرءوس وللشيخ عدم فعل ما يخشى منه سوء ظن المريد لا سيما إذا لم يكن له رسوخ أصلا قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ.

قال ابن عطاء: إن الله تعالى قال لموسى عليه السلام بعد أن أخبره بذلك: أتدري من أين أتيت؟ قال: لا يا رب قال سبحانه: من قولك لهارون: اخلفني في قومي وعدم تفويض الأمر إلي والاعتماد في الخلافة علي.

وذكر بعضهم أن سر إخبار الله تعالى إياه بما ذكر مباسطته عليه السلام وشغله بصحبته عن صحبة الأضداد وهو كما ترى وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ صار سبب ضلالهم بما صنع قال بعض أهل التأويل: إنما ابتلاهم الله تعالى بما ابتلاهم ليتميز منهم المستعد القابل للكمال بالتجريد من القاصر الاستعداد المنغمس في المواد الذي لا يدرك إلا المحسوس ولا يتنبه للمجرد المعقول. ولهذا قالوا: ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا أي برأينا فإنهم عبيد بالطبع لا رأي لهم ولا ملكة وليسوا مختارين لا طريق لهم إلا التقليد والعمل لا التحقيق والعلم وإنما استعبدهم السامري بالطلسم المفرغ من الحلي لرسوخ محبة الذهب في نفوسهم لأنها سفلية منجذبة إلى الطبيعة الجسمانية وتزين الطبيعة الذهبية وتحلي تلك الصورة النوعية فيها للتناسب الطبيعي وكان ذلك من باب مزج القوى السماوية التي هي أثر النفس الحيوانية الكلية السماوية المشار إليها بحيزوم وفرس الحياة وهي مركب جبريل عليه السلام المشار به إلى العقل الفعال بالقوى الأرضية ولذلك قال: بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ أي من العلم الطبيعي والرياضي اللذين يبتنى عليهما علم الطلسمات والسيمياء قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ قال ذلك عليه السلام غضبا على السامري وطردا له وكل من غضب عليه الأنبياء وكذا الأولياء لكونهم مظاهر صفات الحق تعالى وقع في قهره عز وجل وشقي في الدنيا والآخرة وكانت صورة عذاب هذا الطريد في التحرز عن المماسة نتيجة بعده عن الحق في الدعوة إلى الباطل وأثر لعن موسى عليه السلام إياه عند إبطال كيده وإزالة مكره وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً قال أهل الوحدة: أي يسألونك عن وجودات الأشياء فقل ينسفها ربي برياح النفحات الإلهية الناشئة من معدن الأحدية فيذرها في القيامة الكبرى قاعا صفصفا وجودا أحديا لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً اثنينية ولا غيرية

<<  <  ج: ص:  >  >>