للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السخط ما لا يخفى، وقوله تعالى: كانَتْ ظالِمَةً صفة قَرْيَةٍ وكان الأصل على ما قيل أهل قرية ينبىء عنه الضمير الآتي إن شاء الله تعالى فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فوصف بما هو من صفات المضاف أعني الظلم فكأنه قيل وكثيرا قصمنا من أهل قرية كانوا ظالمين بآيات الله تعالى كافرين بها مثلكم.

وفي الكشاف المراد بالقرية أهلها ولذلك وصفت بالظلم فيكون التجور في الطرف، وقال بعضهم: لك أن تقول وصفها بذلك على الإسناد المجازي وقوله: قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كناية عن قصم أهلها للزوم إهلاكها إهلاكهم فلا مجاز ولا حذف، وأيا ما كان فليسر المراد قرية معينة، وأخرج ابن المنذر، وغيره عن الكلبي أنها حضور قرية باليمن، وأخرج ابن مردويه من طريقه عن أبي صالح عن ابن عباس أنه قال بعث الله تعالى نبيا من حمير يقال له شعيب فوثب إليه عبد فضربه بعصا فسار إليهم بختنصر فقاتلهم فقتلهم حتى لم يبق منهم شيء وفيهم أنزل الله تعالى: وَكَمْ قَصَمْنا إلخ وفي البحر أن هؤلاء كانوا بحضور وأن الله تعالى بعث إليهم نبيا فقتلوه فسلط الله تعالى عليهم بختنصر كما سلطه على أهل بيت المقدس بعث إليهم جيشا فهزموه ثم بعث إليهم آخر فهزموه فخرج إليهم بنفسه فهزمهم وقتلهم، وعن بعضهم أنه كان اسم هذا النبي موسى بن ميشا، وعن ابن وهب أن الآية في قريتين باليمن إحداهما حضور والأخرى قلابة بطر أهلهما فأهلكهم الله تعالى على يد بختنصر، ولا يخفى أنه مما يأباه ظاهر الآية والقول بأنها من قبيل قولك كم أخذت من دارهم زيد على أن الجار متعلق بأخذت والتمييز محذوف أي كم درهم أخذت من دراهم زيد، ويقال هنا إنها بتقدير كم ساكن قصمنا من ساكني قرية أو نحو ذلك مما لا ينبغي أن يلتفت إليه إلا بالرد عليه، فلعل ما في الروايات محمول على سبيل التمثيل، ومثل ذلك غير قليل، وفي قوله سبحانه: وَأَنْشَأْنا بَعْدَها أي بعد هلاك أهلها لا بعد تلك الفعلة كما توهم قَوْماً آخَرِينَ أي ليسوا منهم في شيء تنبيه على استئصال الأولين وقطع دابرهم بالكلية وهو السر في تقديم حكاية إنشاء هؤلاء على حكاية مبادي إهلاك أولئك بقوله سبحانه: فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا فضمير الجمع للأهل لا لقوم آخرين إذ لا ذنب لهم يقتضي ما تضمنه هذا الكلام، والإحساس الإدراك بالحاسة أي فلما أدركوا بحاستهم عذابنا الشديد، ولعل ذلك العذاب كان مما يدرك بإحدى الحواس الظاهرة. وجوز أن يكون في البأس استعارة مكنية ويكون الإحساس تخييلا وأن يكون الإحساس مجازا عن مطلق الإدراك أي فلما أدركوا ذلك إِذا هُمْ مِنْها أي من القرية فمن ابتدائية أو من البأس والتأنيث لأنه في معنى النقمة والبأساء فمن تعليلية وهي على الاحتمالين متعلقة بقوله تعالى: يَرْكُضُونَ وإذا فجائية، والجملة جواب لما، وركض من باب قتل بمعنى ضرب الدابة برجله وهو متعد، وقد يراد لازما كركض الفرس بمعنى جرى كما قاله أبو زيد ولا عبرة بمن أنكره، والركض هنا كناية عن الهرب أي فإذا هم يهربون مسرعين راكضين دوابهم.

وجوّز أن يكون المعنى مشبهين بمن يركض الدواب على أن هناك استعارة تبعية ولا مانع من حمل الكلام على حقيقته على ما قيل لا تَرْكُضُوا أي قيل لهم ذلك، والقائل يحتمل أن يكون ملائكة العذاب أو من كان ثمة من المؤمنين قالوا على سبيل الهزء بهم، وقال ابن عطية: يحتمل على الرواية السالفة أن يكون القائل من جيش بختنصر وأراد بذلك خدعهم والاستهزاء بهم، وقيل يحتمل أن يكون المراد يجعلون خلقا، بأن يقال لهم ذلك وإن لم يقل على معنى أنهم بلغوا في الركض والفرار من العذاب بعد الإتراف والتنعيم بحيث من رآهم قال لا تركضوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ من النعم والتلذذ والإتراف إبطار النعمة وفي ظرفية، وجوز كونها سببية وَمَساكِنِكُمْ التي كنتم تفتخرون بها لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ تقصدون للسؤال والتشاور والتدبير في المهمات والنوازل أو تسألون عما جرى عليكم ونزل بأموالكم ومنازلكم فتجيبوا السائل عن علم ومشاهدة أو يسألكم حشمكم وعبيدكم فيقولوا لكم بم تأمرون ماذا

<<  <  ج: ص:  >  >>