متصل متشابه وأريد بالفتق وأصله الفصل في قوله تعالى: فَفَتَقْناهُما الإيجاد الحصول التمييز وانفصال بعض الحقائق عن البعض به فيكون كقوله تعالى: فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الأنعام: ١٤، يوسف: ١٠١، إبراهيم: ١٠، فاطر: ١، الزمر: ٤٦، الشورى: ١١] بناء على أن الفطر الشق وظاهره نفي تمايز المعدومات، والذي حققه مولانا الكوراني في جلاء الفهوم وذب عنه حسب جهده أن المعدوم الممكن متميز في نفس الأمر لأنه متصور ولا يمكن تصور الشيء إلا بتميزه عن غيره وإلا لم يكن بكونه متصورا أولى من غيره ولأن بعض المعدومات قد يكون مرادا دون بعض ولولا التمييز بينها لما عقل ذلك إذ القصد إلى إيجاد غير المتعين ممتنع لأن ما ليس بمتعين في نفسه لم يتيمز القصد إليه عن القصد إلى غيره، وقد يقال على هذا: يكفي في تلك الإرادة عدم تمايز السموات والأرض في حالة العدم نظرا إلى الخارج المشاهد، وأيا ما كان فمعنى الآية لم يعلموا أن السموات والأرض كانتا معدومتين فأوجدناهما، ومعنى علمهم بذلك تمكنهم من العلم به بأدنى نظر لأنهما ممكنان، والممكن باعتبار ذاته وحدها يكون معدوما واتصافه بالوجود لا يكون إلا من واجب الوجود.
قال ابن سينا في المقالة الثامنة من إلهيات الشفاء: سائر الأشياء غير واجب الوجود لا تستحق الوجود بل هي في أنفسها ومع قطع إضافتها إلى الواجب تستحق العدم ولا يعقل أن يكون وجود السموات والأرض مع إمكانهما الضروري عن غير علة، وأما ما ذهب إليه ديمقرطيس من أن وجود العالم إنما كان بالإتفاق وذلك لأن مبادية أجرام صغار لا تتجزأ لصلابتها وهي مبثوثة في خلاء غير متناه وهي متشاكلة الطبائع مختلفة الأشكال دائمة الحركة فاتفق أن تضامت جملة منه واجتمعت على هيئة مخصوصة فتكون منها هذا العالم فضرب من الهذيان، ووافقه عليه على ما قيل أنباذقلس لكن الأول زعم أن تكون الحيوان والنبات ليس بالاتفاق وهذا زعم أن تكون الأجرام الأسطقسية بالإتفاق أيضا إلا أن ما اتفق إن كان ذاهيئة اجتماعية على وجه يصلح للبقاء والنسل بقي وما اتفق إن لم يكن كذلك لم يبق، وهذا الهذيان بعيد من هذا الرجل فإنهم ذكروا أنه من رؤساء يونان كان في زمن داود عليه السلام وتلقى العلم منه واختلف إلى لقمان الحكيم واقتبس منه الحكمة، ثم إن وجودهما عن العلة حادث بل العالم المحسوس منه وغيره حادث حدوثا زمانيا بإجماع المسلمين وما يتوهم من بعض عبارات بعض الصوفية من أنه حادث بالذات قديم بالزمان مصروف عن ظاهره إذ هم أجل من أن يقولوا به لما أنه كفر. والفلاسفة في هذه المسألة على ثلاثة آراء فجماعة من الأوائل الذين هم أساطين من الملطية وساميا صاروا إلى القول بحدوث موجودات العالم مباديها وبسائطها ومركباتها وطائفة من الأتينينية وأصحاب الرواق صاروا إلى قدم مباديها من العقل والنفس والمفارقات والبسائط دون المتوسطات والمركبات فإن المبادي عندهم فوق الدهر والزمان فلا يتحقق فيها حدوث زماني بخلاف المركبات التي هي تحت الدهر والزمان ومنعوا كون الحركات سرمدية، ومذهب أرسطو ومن تابعه من تلامذته أن العالم قديم وأن الحركات الدورية سرمدية، وهذا بناء على المشهور عنه وإلا فقد ذكر في الأسفار أن أساطين الحكمة المعتبرين عند الطائفة ثمانية ثلاثة من الملطيين ثالس وانكسيمائس واغاثاذيمون، وخمسة من اليونانيين أنباذقلس وفيثاغورس وسقراط وأفلاطون وأرسطو وكلهم قائلون بما قال به الأنبياء عليهم السلام وأتباعهم من حدوث العالم بجميع جواهره وأعراضه وأفلاكه وأملاكه وبسائطه ومركباته، ونقل عن كل كلمات تؤيد ذلك، وكذا نقل عن غير أولئك من الفلاسفة وأطال الكلام في هذا المقام، ولولا مخافة السآمة لنقلت ذلك ولعلي أنقل شيئا منه في محله الأليق به إن شاء الله تعالى، وجاء عن ابن عباس في رواية عكرمة والحسن وقتادة وابن جبير أن السموات والأرض كانتا شيئا واحدا ملتزقتين ففصل الله تعالى بينهما ورفع السماء إلى حيث هي وأقر الأرض. وقال كعب: خلق الله تعالى السموات والأرض ملتصقتين ثم خلق ريحا فتوسطهما ففتقهما. وعن الحسن خلق الله تعالى الأرض في موضع بيت المقدس كهيئة الفهر عليها دخان